صراع اللغات يمزق المدرسة الإسبانية

عاد النقاش حول التعليم في إسبانيا ليتحول إلى ساحة مواجهة حادة بين أنصار اللغة الإسبانية والمدافعين عن اللغات الجهوية. فقرار محكمة كتالونيا بإلغاء جزء من المرسوم الذي يفرض الكتالانية لغة أساسية في التعليم، اعتبرته أطراف كثيرة إنذارًا خطيرًا بأن التوازن اللغوي مهدد. بالنسبة للبعض، القضية لا تتعلق بمناهج دراسية فقط، بل بمستقبل وحدة البلاد والهوية المشتركة التي يجمعها لسان واحد.
رد حكومة كتالونيا كان سريعًا وصاخبًا، حيث تعهدت بالدفاع عن ما تسميه “النموذج الكتالوني” في المدارس والشارع، واعتبرت أن الحكم القضائي استهداف مباشر لحق الإقليم في الحفاظ على لغته وثقافته. هذا الموقف فجّر انقسامًا أعمق: فهناك من يرى أن تغليب الكتالانية خطوة نحو بناء هوية موازية تنفصل عن إسبانيا، فيما يعتبر آخرون أن الأمر يتعلق بحقوق مشروعة يضمنها الدستور.
الأحزاب السياسية صعّدت من لهجتها، فبينما شدد اليمين على أن الإسبانية تتعرض لمحاولة تهميش غير مسبوقة، ذهب حزب “فوكس” إلى تقديم مقترحات تجعل اللغة الإسبانية إلزامية في كل المدارس، محذرًا من “خطر اللهجات” على وحدة الدولة. في المقابل، دافعت أحزاب اليسار والحكومة المركزية عن التعدد اللغوي، واعتبرت أن التنوع لا يهدد الوحدة، بل يثري الهوية الوطنية ويمنحها عمقًا تاريخيًا وثقافيًا.
هكذا تحوّل الخلاف اللغوي من مسألة تربوية إلى صراع سياسي وثقافي يمزق المشهد الإسباني. فبين من يرى في تعدد اللغات قوة ناعمة تعكس تاريخًا مشتركًا، ومن يعتبرها قنبلة موقوتة تهدد الانسجام الوطني، يبدو أن معركة “اللسان” لن تهدأ قريبًا، بل ستظل تتصدر واجهات الإعلام وتؤجج الجدل حول مستقبل إسبانيا الموحدة.