حتى لا يتكرر مقلب فبراير 2011!

      مرة أخرى يعود الشباب المغربي للانتفاضة ضد تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واستشراء الفساد في البلاد، عبر ما عرفته عطلة نهاية الأسبوع الأخير من شهر شتنبر 2025 خلال يومي السبت والأحد 27/28 من احتجاجات سلمية حاشدة بمختلف مدن المملكة. حيث أثبتت هذه الفئة المجتمعية التي أحدثت “حركة 20 فبراير” للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، وأسفرت عن إقرار دستور 2011 وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، أنها قادرة أيضا على إحداث حركات احتجاجية أخرى، كلما دعت الضرورة إلى ذلك، ولاسيما في ظل فشل السياسات العمومية في الاستجابة لانتظارات أبناء الشعب.

      إذ أننا لم نفاجأ كما لم نستغرب كثيرا لظهور مجموعة شبابية ناشطة في المجال الرقمي، تطلق على نفسها اسم “جيل زد 212” أو “Gen Z 212” وهي حركة يمكن اعتبارها امتدادا ل”حركة 20 فبراير”، تضم في صفوفها عددا من الشباب المغاربة المنحدرين من مختلف المدن والأقاليم المغربية، الذين ولدوا بين أواخر التسعينات وبداية الألفية الجديدة، ويعرفون بارتباطهم الشديد بعالم الرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي، الذين انطلقوا عبر منصات التواصل الاجتماعي، في توجيه الدعوة لكافة المواطنات والمواطنين وخاصة فئة الشباب للخروج إلى الشارع يومي 27 و28 شتنبر 2025 والمطالبة بعدة إصلاحات، بعيدا عن المنظمات النقابية والأحزاب السياسية والتنسيقيات الوطنية.

      وهي مطالب يمكن إجمالها في النهوض بمنظومتي التعليم والصحة، الاستفادة من الحقوق الدستورية والمتمثلة أساسا في الحق في الصحة والحق في التعليم الجيد والحق في الشغل المناسب والحق في السكن اللائق والحق في العيش الكريم والعدالة الاجتماعية ومكافحة مختلف أشكال الفساد والريع، والقطع مع كافة أساليب المحسوبية واستغلال النفوذ والممارسات القمعية، ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، فصل السلط واستقلال القضاء، تفعيل قانون الإثراء غير المشروع…

      بيد أن أشد ما بتنا نتخوف منه هو أن يحدث لحركة “جيل زد 212” ما حدث سابقا من مقلب لحركة 20 فبراير في عام 2011، حين انبرى لها عبد الإله ابن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي رفض انخراط حزبه فيها موجها انتقادات شديدة لقادتها، وعمل فقط على استغلالها في اتجاه العبور نحو مربع السلطة واعتلاء منصب رئاسة الحكومة، بناء على ما كان “حزب المصباح” يتوفر عليه حينها من إشعاع ومصداقية، باعتباره حزبا ذا مرجعية إسلامية، مما جعله يفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المبكرة إثر حصوله على 107 مقعدا في مجلس النواب، مباشرة بعد إقرار دستور 2011.

      فلا يمكن لنا أن ننسى أن ابن كيران كان من أشد المناوئين ل”حركة 20 فبراير”مدعيا خشيته على على البلاد من الانزلاق نحو الهاوية.أليس هو من قال حينها في لقاء مع اللجنة المركزية لشبيبة حزبه: “حركة 20 فبراير فتحت الباب على مصراعيه، ولم يكن معروفا ماذا سيقع” وأضاف “قمنا كحزب بموقف بطولي، لأننا وقفنا في وجه التيار، في وقت كان من السهل الوقوف في وجه السلطة”.ولم يكن آنذاك يعبر سوى عن انتهازيته السياسية، حيث لم يتأخر في استغلال شعارات من وصفهمب”الطبالة والغياطة” واقتناص الفرصة للتقرب من القصر، من خلال إقدامه على إجهاض آمال وأحلام أولئك الشباب الذين خرجوا للبحث عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ومناهضة الفساد. والأفظع من ذلك أنه بمجرد توليه رئاسة الحكومة شرع في تصفية حساباته الضيقة حتى مع المقربين منهومناضلي حزبه، باتخاذه مجموعة من القرارات الجائرة وغير الديمقراطية.

      ومن المفارقات الغريبة أن ابن كيران الأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق، الذي يستفيد من معاش استثنائي بقيمة 7 ملايين سنتيم شهريا مقابل إجهازه على أهم المكتسبات الاجتماعية من وظيفة وتقاعد وإضراب وغيره، لم نجد من مثل ينطبق عليه أفضل من مقولة “ياكل مع الذيب ويبكي مع السارح”. إذ أنه هو نفسه من خرج يوم الأحد 28 شتنبر 2025 ببيان حول الاحتجاجات الصاخبة لحركة “جيل زد 212″، يحمل فيه حكومة غريمه السياسي عزيز أخنوش كامل المسؤولية في تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، متناسيا أن ارتفاع منسوب الاحتقان الشعبي وتنامي الاحتجاجات الحاشدة، نتيجة طبيعية للتدبير الكارثي لحزبه خلال الولايتين السابقتين. إذ كيف يعقل أن يتحدث اليوم عن تدهور الوضع الصحي وتراجع مستوى التلاميذ وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، من ساهم في ذلك عبر تدبيره السيء للشأن العام وسياساته العمومية الفاشلة وقراراته الخائبة؟ أليس هو من قام بتحرير أسعار المحروقات والمسؤول الأول عما ترتب عن ذلك من غلاء فاحش وضرب القدرة الشرائية للأسر المغربية؟

      إن “جيل زد”الذي ندعوه إلى ضرورة الحرص الجيد على عدم تكرار تجربة “حركة 20 فبراير” وعدم إعطاء الفرصة لأي جهة كيفما كانت في الركوب على احتجاجاته السلمية، ليس سوى تلك الفئة من شباب المغرب التي عاشت الجزء الأكبر من طفولتها في أحضان حكومتي البيجيدي على مدى عقد من الزمن، فوجدت نفسها اليوم مضطرة للخروج إلى الشارع بعد أن فشلت حكومة أخنوش في تجاوز الاختلالات القائمة وعجزت عن النهوض بأوضاع التعليم والصحة والقضاء ومعالجة ملف التشغيل، والحد من معدلات الفقر والبطالة والهدر المدرسي،ومحاربة الفساد من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة…

اسماعيل الحلوتي