بقلم فكري سوسان
يشكل التاريخ مصدرًا لا ينضب من الروايات والوثائق التي تسلط الضوء على جوانب متعددة من الماضي، بعضها معروف ومتداول، بينما يبقى البعض الآخر مخفيًا بين صفحات الكتب والمخطوطات القديمة. إحدى هذه الوثائق النادرة التي تستحق الاهتمام هي المقال المنشور تحت عنوان “وثيقة ذات أهمية لتاريخ الريف”، الذي يسلط الضوء على سردية تاريخية مثيرة للاهتمام حول منطقة الريف وعلاقتها بأحداث وأشخاص لم تحظَ بالتركيز الكافي في السرديات التاريخية التقليدية.
يستعرض هذا المقال رواية تتعلق بأصول تسمية “الريف”، مشيرًا إلى وجود ارتباط مزعوم بين الاسم وإحدى الشخصيات اليهودية التي يُقال إنها حكمت في منطقة شمال إفريقيا في حقبة ما قبل الفتح العربي. هذه الرواية، التي وردت في مخطوطة عبرية قديمة، تطرح تساؤلات حول مدى صحة هذا الادعاء، كما تدفع القارئ للتأمل في كيفية تشكّل الأسماء والهويات عبر التاريخ.
من ناحية أخرى، يشير المقال إلى تقاليد تاريخية محلية تتعلق بالتفاعلات بين مختلف المكونات السكانية التي سكنت المنطقة عبر العصور، مما يجعله وثيقة فريدة تعكس جانبًا غير مألوف من تاريخ الريف. بغض النظر عن مدى دقة هذه المعلومات، فإنها تعكس جزءًا من الذاكرة التاريخية التي تناقلها البعض عبر الأجيال.
من خلال تقديم هذا النص للقراء، لا نهدف إلى تبني أي رواية تاريخية بعينها، بل إلى إتاحة المجال أمام كل قارئ لاستكشاف الوثيقة بنفسه، والتفكير في محتواها، وطرح الأسئلة المناسبة حول طبيعة المصادر التاريخية وكيفية صياغتها عبر الزمن. تبقى الوثائق والمخطوطات نافذةً تتيح لنا النظر إلى الماضي بعدة زوايا، وتمنحنا فرصة لفهم أعمق لتاريخنا المشترك، بمختلف تعقيداته وسياقات.
وثيقة ذات أهمية لتاريخ الريف[1]
أود أن أقدم للقراء الذين يزداد عددهم في هذه النشرة، وثيقة ذات أهمية تاريخية كبيرة، على الأقل لأنها تحتوي على تقليد فريد لا بد أن يثير اهتمام الباحثين ومحبي استكشاف تاريخ المغرب
خلال زيارتي لمنزل صديقي العزيز والعالم اليهودي البارز، السيد صموئيل بارينتيSamuel Pariente ، والذي كرس جهوده لدراسة العديد من التحف والآثار التاريخية، لفت انتباهي مخطوط عبري قديم ذو طابع فني مميز. لم أستطع مقاومة الفضول، وطلبت من السيد بارينتي أن يمنحني شرف ترجمة هذا المخطوط حرفيًا لنشره في مجلة القوات الاستعماريةRevista de Tropas Coloniales التي لطالما رحبت بترجماتي المتواضعة للمخطوطات العربية وبكل ما يمثل مساهمة ثقافية مغربية أو إفريقية.
ها هو المخطوط، أيها القارئ، مع ترجمته التي قام بها صاحبه المثقف والنبيل.
نعمت أ. دحداح
لكي يرويها الأبناء لأبنائهم وأحفادهم. لقد سمعناها من آبائنا الذين نقلوا لنا ما حدث في العصور الغابرة. في أقصى الغرب (وهو الاسم الذي يُطلق في اللغة العبرية على المغرب) وقبل الفتح العربي، حكم هناك ملك يهودي شجاع ومقدام، اجتمعت فيه الحكمة والعظمة مع الزهد والقداسة. لقد اعتبره شعبه مباركًا.
———————————————————
[1]Revista de Tropas Coloniales, Ceuta,Año II, número 9,septiembre de 1925.
كان هذا الرجل هو أول من حكم في إمبراطورية إفريقيا الكبرى (شمال إفريقيا)، وكان يُعرف باسم يعقوب، وحمل لقب بارينتي. كانت إقامته في منطقة في الغرب (المغرب) التي لا تزال تُعرف حتى اليوم باسم الريف.
كان سكان تلك المنطقة يتميزون بالشجاعة والبراعة في فنون الحرب، وكان معروفًا بين الجميع أن اسم الريف يعود إلى هذا الملك الأول الذي حكم تلك الأرض. يُقال إن هذا الاسم مشتق من العبارة العبرية ‘ربي يعقوب بارينتيRibbi Jacob [2]Pariente ، تكريمًا لهذا الحاكم العظيم. ومع مرور الزمن، استمر استخدام الاسم دون أن يعرف سكان المنطقة أصوله.
حكم هذا الملك المبارك سنوات عديدة، وكان غنيًا بالعلم والثروة. توّج بالشهرة الحسنة التي تفوق حتى تاج الملك والحكمة. لقد كان محترمًا بين اليهود وغير اليهود على حد سواء، وكان اسمه يتردد نظرًا لعظمة مملكته وثرائها.
طوبى للعيون التي رأت هذا الملك الظافر بعدله، إذ كان محاطًا بجيش يقوده ثمانية عشر ألف قائد من كبار الزعماء، عاشوا جميعًا في سلام مبارك، كالمياه الهادئة. ذكريات الماضي تحكي أننا سمعنا من العلماء والحكماء، الذين نقلوا عن الحاخام الأكبر يعقوب بن مالكا (طيب الله ثراه)، وهو الذي أضاء مدينة تطوان بعلمه، أنه تحدث عن عظمة عائلة بارينتي الأميرية، وكان يوصي كل من قصد مجلسه باحترام وتعظيم وإكرام هذه العائلة المرموقة، مؤكدًا أنها من سلالة ملكية نبيلة.
ومما سمعناه من أفواه الرجال الصالحين، الذين أناروا العالم بحكمتهم، كان الحديث عن الحاخام يوسف حاييم بن سارمون، الذي أكد أن هذه العائلة لا تزال مرتبطة بعائلات يهودية بارزة، مثل عائلة سيريرو المنحدرة من إسبانيا، والتي تعود أصولها إلى الملك داوود.
ومن هذه العائلة خرج اليوم رجال معروفون بالكرم والصلاح، أمثال يُونس ويَشوع، الذين باركهم الله، وجعل بيتهم قصرًا للملوك، مزدهرًا ومليئًا بالفرح، حيث تسود خشية الله ووصاياه. هذا ما سمعناه من أفواه الرجال الصالحين الذين نالوا الحياة الأبدية، ومن آمن بهذا فقد نال البركة من الله، ومن ابتعد عنه، فليصمت، فإن الله سيجازيه بعمله.
والسلام على إسرائيل.
مُوَقَّع: سِمتوببِنْسَارْمُون
بِمَا أنَّ المُوَقَّع أعلاه هو سِمتوببِنْسَارْمُون، ابن العالم في القبالاه العظيم يوسف بِنْسَارْمُون، فإننا نشهد أن كل ما ورد في هذه الوثيقة صحيح وموثوق. لقد سمعنا أيضًا بهذه الرواية، ولذلك نُقِرّ بصحتها ونضع ختمنا عليها في مدينة ليفورنو سنة 5575 (1815م).
المُوَقَّعون:موشيه كوهين، حاييم بيباس، ميمون أزولاي.
نحن، كبار الحاخامات المُوقّعين أدناه، نشهد بأن التوقيعات أعلاه أصلية وصحيحة.
كبار الحاخامات:سَلومون، حاييم مالوخ، منَسّى بَدْوا، إسحاق كاردوزو.
————————————————–
[1]Revista de Tropas Coloniales, Ceuta,Año II, número 9,septiembre de 1925.
[2]يتألف اسم ‘ربي يعقوب باريينتي’ من الأحرف الأولى للكلمات العبرية:
ר (ريش – Resh): وهو الحرف الأول من كلمة “ربي” التي تعني الحاخام.
י (يود – Yod): وهو الحرف الأول من “يعقوب”.
פ (بي – Pe): وهو الحرف الأول من “باريينتي”، ولكن في نهاية الكلمة العبرية يُنطق “ف” (Fe).
وبالتالي، عند تجميع هذه الأحرف الثلاثة، نحصل على الكلمة “ريف” (RIF)، التي يعتقد أنها أصل تسمية منطقة الريف.