تتجه جماعة الحسيمة إلى خوض تجربة جديدة في تدبير الشأن المحلي، من خلال توقيع اتفاقية شراكة ثلاثية لتسيير المقبرة الجماعاتية الجديدة “الرحمة”، الواقعة بتراب جماعة أجدير. وتأتي هذه الخطوة في إطار الجهود الرامية إلى تنظيم هذا المرفق وضمان تدبيره بشكل تشاركي، بما يراعي كرامة الموتى ويسهّل الخدمات للمواطنين وفق المعايير التنظيمية والصحية المعتمدة.
وقد أُدرج هذا المشروع ضمن جدول أعمال الدورة العادية لجماعة الحسيمة المقررة يوم الاثنين المقبل، 6 أكتوبر 2025، والتي ستناقش مجموعة من اتفاقيات الشراكة. ومن بين أبرزها الاتفاقية الثلاثية بين جماعة الحسيمة وجماعة أجدير والمجلس الإقليمي، والمتعلقة حصراً بتدبير المقبرة الجديدة. وتهدف هذه الاتفاقية إلى وضع إطار قانوني واضح لتسيير المرفق وتحديد مسؤوليات كل طرف، بما يضمن الشفافية وحسن الأداء في التدبير.
تفيد مصادر متطابقة بأن المجالس المعنية تتجه إلى إبرام اتفاق مع إحدى الجمعيات المحلية النشيطة بمدينة الحسيمة، لتُعهد إليها مهام التسيير الإداري واللوجستي للمقبرة الجماعاتية. غير أن هذا التوجه أثار نقاشاً واسعاً، خاصة وأن الجمعية المذكورة تشتغل أساساً في مجالات اجتماعية مختلفة، ولا تمتلك تجربة سابقة في تدبير مرافق من هذا النوع، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى جاهزيتها وقدرتها على مواكبة طبيعة هذا المرفق الحساس.
وقد عبّر عدد من الفاعلين المدنيين عن تخوفهم من الطريقة التي جرى بها اختيار هذه الجمعية دون غيرها، متسائلين عن المعايير المعتمدة في ذلك، خصوصاً وأنها لا تشتغل في مجال تدبير المقابر وإنما في تسيير مركز اجتماعي داخل المدينة. كما طُرحت تساؤلات حول توقيت اتخاذ القرار وغياب التواصل مع الفاعلين المحليين، مما أثار حفيظة بعضهم وفتح نقاشاً حول مستوى الشفافية في تدبير العملية.
أما بجماعة أجدير، فقد أبدى عدد من المتتبعين تحفظهم على اختيار جمعية من خارج نفوذهم الترابي لتسيير مرفق يوجد داخل مجالهم، معتبرين أن الأنسب كان هو إشراك جمعيات أو فعاليات محلية مشتركة من أجدير والحسيمة معاً، لضمان تدبير أكثر نجاعة وتواصلاً أوسع مع المرتفقين. ويرى هؤلاء أن المقاربة التشاركية الحقيقية هي الضامن الأساس لجودة الخدمات وتوافقها مع احتياجات المجتمع المحلي.
في المقابل، تشير معطيات متداولة إلى أن هذا الاختيار قد تأثر بعوامل غير واضحة، من بينها ظروف تأسيس الجمعية والعلاقات التي نسجتها مع بعض الجهات القريبة من مؤسسات رسمية بالمنطقة. ويطرح ذلك تساؤلات مشروعة حول مدى استقلالية القرار ومعايير انتقاء الشركاء في تدبير المشاريع الاجتماعية، بما يستدعي نقاشاً عمومياً حول طبيعة العلاقة بين الفاعلين المدنيين ومحيطهم المؤسساتي.
تجدر الإشارة إلى أن مقبرة “الرحمة” مشروع جديد أُطلق منذ سنوات بشراكة بين المجلس الإقليمي وجماعتي الحسيمة وأجدير، وتُعد نموذجية على غرار تجربة مدينة مرتيل التي اعتمدتها وزارة الداخلية لتدبير المقابر الجديدة بالمغرب. وهي تجربة تراهن على الشراكات متعددة الأطراف وعلى إشراك الفاعلين المحليين، بما يضمن نجاعة التدبير وتعزيز العدالة المجالية في الخدمات الجماعية. فهل ستنجح الحسيمة في تحويل هذه الخطوة إلى نموذج تشاركي فعلي، أم ستبقى التجربة أسيرة التوجسات والأسئلة العالقة حول معايير الاختيار وشفافية التدبير؟