*خالد البوهالي
اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، بأنها بدأت تزويد القوات المسلحة الأوكرانية بأنواع مختلفة من الأسلحة قبل بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في إقليم الدونباس، وهو ما يعكس تورطًا أمريكيًا مبكرًا في الأزمة الأوكرانية.
في حقيقة الأمر، لم يكن اعتراف بلينكن مفاجئًا، فقبل ذلك، سبقته المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، بتصريحات مماثلة قبل ثلاث سنوات، أكدت فيها أن الغرب لم يكن جادًا منذ البداية في التوصل إلى اتفاق مع روسيا. وأوضحت ميركل أن الغرب كان يماطل في تنفيذ اتفاقية مينسك حول شرق أوكرانيا، ما يعكس نوايا الغرب الخفية في تحضير أوكرانيا لمواجهة عسكرية مع روسيا.
بناءً على هذه الاعترافات، يتضح جليا أن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، كان يدير الأزمة الأوكرانية بشكل خفي منذ سنوات طويلة. وهذا يعزز الفكرة القائلة بأن الأزمة لم تكن مجرد رد فعل على تصرفات روسيا، بل كانت جزءًا من خطة طويلة الأمد تهدف إلى تقويض قوة موسكو في المنطقة. تصريحات بلينكن ما هي إلا حلقة في سلسلة من الإشارات التي تكشف أن الاستراتيجية الغربية كانت تهدف إلى إشعال الصراع مع روسيا، ما يعكس نوايا الغرب التي لم تقتصر على دعم أوكرانيا فقط، بل سعت أيضًا إلى مواجهة روسيا وإضعاف قدرتها على التأثير في المشهد الجيوسياسي الدولي.
إن الأحداث التي وقعت بين عامي 2013 و2014 في ميدان التحرير في كييف لم تكن لها علاقة بالديمقراطية والحرية كما يروج الغرب في وسائل إعلامه، بل كانت شرارة بداية لمخطط أوسع يستهدف روسيا. فقد أوعزت الولايات المتحدة الأمريكية للمعارضة الموالية لها بتنظيم مظاهرات واسعة ضد الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش بعد قراره بإيقاف مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما أدى في النهاية إلى إسقاط حكمه وفراره إلى روسيا. وما يحدث الآن هو امتداد لخطة أوباما، حيث كان المسؤولون الحاليون، بمن فيهم بايدن في الإدارة الأمريكية، جزءًا من فريق إدارة باراك أوباما.
لكن، عندما بدأت روسيا عمليتها العسكرية في فبراير/شباط من العام 2022 بإقليم الدونباس، الذي يشكل أغلب قاطنيه من الناطقين باللغة الروسية، تفاعل الغرب بسرعة شديدة، مندّدًا بما وصفه الهجوم الروسي على دولة ذات سيادة. تلت تلك الإدانة سلسلة من العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة على روسيا، والتي كشفت عن الهدف الحقيقي للغرب المتمثل في تقويض القوة الروسية وتقليص دورها في الساحة الدولية.
ورغم ذلك، فشل الغرب حتى الآن في تحقيق مسعاه، بعد أن نجحت القيادة الروسية في الالتفاف على العقوبات الغربية من خلال تنويع شركائها والبحث عن أسواق جديدة، مما مكنها من الصمود في وجه تلك العقوبات. كما تمكنت روسيا من مواصلة نجاحاتها العسكرية، حيث استنزفت القوات الأوكرانية في العدة والعدد، وتمكنت من السيطرة على المزيد من الأراضي في إقليم دونباس، رغم الدعم الغربي غير المحدود لأوكرانيا.
وفي الختام، يمكن القول إن تصريحات بلينكن، وقبلها تصريحات أنجيلا ميركل، تكشف أن الحرب في أوكرانيا لم تكن نتيجة لأحداث عشوائية، بل هي جزء من مخطط خفي سعى الغرب من خلاله إلى مواجهة روسيا، وتقليص نفوذها، وفرض وجهة نظره على النظام الدولي. ولا شك أن الأيام القادمة ستكشف المزيد من خفايا هذا الصراع.
*كاتب وباحث مغربي في الشؤون الروسية والدولية
khalidelbouhali@gmail.com