د/ الأمين مشبال*
ضمن الظواهر التي صاحبت ثورة الاتصال، بروز وانتشار وسائل الاتصال الجماهيري (فايسبوك، يوتوب، إنستجرام، تيك توك…الخ) مما أفسح المجال لصحفيين ومحللين وخبراء مختصين لتبسيط خطاباتهم وبلوغ جمهور واسع بواسطة الصوت والصورة وهذا أمر محمود في حد ذاته من حيث تمكينه نشر الوعي ودمقرطة الثقافة.
بموازاة ذلك أعطت مواقع التواصل الجماهيري صوتا للعديدين، ممن لا صوت لهم، ليعبروا عن همومهم وانطباعاتهم بشأن قضايا عامة، أو لنشر أخبار تهم محيطهم كان يلفها الصمت أو النسيان، فأصبحوا بذلك مؤثرين ويشكلون إحدى المصادر التي يمكن للصحفيين الانطلاق منها للتأكد من صحة واقعة ما والوصول إلى المعلومة، ومع مرور الوقت واتساع الظاهرة أخذ المنتخبون والمسؤولون عن تدبير الشأن المحلي، وحتى على الصعيد المركزي، يأخذونها بعين الاعتبار لكونها تمثل أحد أشكال استمزاج الرأي.
وحيث أن لكل اختراع وجهه السلبي، فقد تمخض عن هاته الظاهرة “غزو البلهاء” إذ اكتسب « فيالق من الحمقى الحق في بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل ” على حد تعبير الكاتب والمفكر الإيطالي ألبرتو إيكو. هكذا أصبح لمن هب ودب الحق أن يصبح مفتيا، وطباخا من خمس نجوم، ومفكرا، ومدربا، بطبيعة الحال لم تسلم صاحبة الجلالة من هاته الآفة، بحيث أضحى التوفر على غرفة للجلوس و”بونجا” (ميكروفون ) وهاتف نقال عنصرا كافيا يؤهل الخبيرة النفسية، أو المدرب الرياضي، أو حتى بائع الشباكية، والباحث عن عمل ليتقمص وينتحل مهنة الصحفي، بحيث يستدعي الضيوف ويجري ” حوارات صحفية ” معهم لتلميع مساراتهم وإسهاماتهم ” في تدبير الشأن الثقافي الشأن المحلي وغيرها من المواضيع التي تهم الرأي العام.
والطامة الكبرى التي يجهلها هؤلاء المتطفلون (والمتطفلات) أن الحوار الصحفي يعتبر من الأجناس الصحفية الكبرى، ويصعب حتى على الطالب في معاهد الصحافة أو حديث التخرج منها إتقانه، ولا أدل على هذا الكلام ما ذهب إليه أستاذ الأجيال بالمعهد العالي للصحافة الدكتورعبد الوهاب الرامي في كتابه ” دليل الصحفي المهني الأجناس الصحفية، مفتاح الإعلام المهني” حيث اعتبر أن :” الاستجواب الصحفي أداة لتفسير الأحداث، يتخذ شكل سؤال جواب، وغايته البحث عن معلومات وتوضيحات غير مسبوقة عن طريق الصحفي”، وأضاف أنه يمكن تقسيم الاستجواب إلى عدة أصناف منها: الاستجواب الوصفي والاستجواب التحليلي واستجواب الرأي واستجواب الشخصية، واستجواب الموضوع الكبيرA grand thème، كل ذلك مع تبني ” الاستراتيجية الخطابية ” في الاستجواب.
وقد قيل قديما: ” رحم الله من عرف قدر نفسه”، لذا نأمل أن يحصل الوعي لدى العقلاء بخصوصية الصحافة باعتبارها مهنة منظمة بقانون كباقي المهن ( وليست مهنة من لا مهنة له ) تستدعي تكوينا أكاديميا وممارسة عملية ودورات تكوينية بين الحين والآخر لممارسيها لمتابعة التطورات التكنولوجية المتسارعة التي تترك بصماتها الجلية عليها.
(*) إعلامي وباحث في الخطاب السياسي