مواطنون مغاربة كثر ومنهم رواد الفضاء الأزرق وفاعلون سياسيون، أصبحوا اليوم يعرفون جيدا اليوتيوبر ومدير نشر موقع “بديل” حميد المهداوي، ويعود ذلك إلى الكم الهائل من الخرجات الإعلامية عبر مقاطع فيديو على “اليوتيوب” لعرض ملفات عن فضائح وتجاوزات بعض المسؤولين الحكوميين، التي تستقطب أعدادا غفيرة من المشاهدين، تتجاوز أحيانا نسبة المشاهدة في قنواتنا الوطنية التلفزيونية، وتثير جدلا واسعا في أوساط المواطنين. وما زاد من شعبيته في السنوات الأخيرة، هو ما بات يتعرض له من شكايات ومتابعات قضائية، ولاسيما من قبل وزير العدل والأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي.
فلا أحد اليوم من المواطنين الذين ما انفكوا يتذمرون كثيرا من سوء التدبير وتضرر قدرتهم الشرائية على إثر موجة الغلاء المتصاعدة التي طالت جميع المواد الأساسية والواسعة الاستهلاك، ولاسيما في ظل ما أصبحت تعرفه أسعار المحروقات من ارتفاع قياسي مطرد خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى تزايد معدلات الفقر والبطالة والهدر المدرسي، يرفض أمام ضعف أحزاب المعارضة أن يرى الصحافي المهداوي أو غيره من النشطاء ينتقدون المتقاعسين من المسؤولين الحكوميين أو الذين يتجاوزون حدودهم، وكذا سياسة الحكومة متى رأوها عاجزة عن مواجهة الفساد والمفسدين، أو أنها لا تعمل سوى على حماية مصالح فئات قليلة من المحظوظين والمقربين، ولا تخدم مصالح عموم الشعب، أو يسارعون إلى الكشف عن مختلف الفضائح إن على مستوى الفساد الإداري أو المالي أو استغلال النفوذ وغيره…
بيد أنه في المقابل لا أحد يقبل كذلك بأن تتحول هذه الانتقادات إلى هجمات مبيتة في اتجاه خدمة أجندات خارجية أوتصفية حسابات مع بعض الشخصيات والتشهير بها أو ابتزاز أو إهانة صريحة لمؤسسات وطنية أو هيئات منظمة أو مسؤولين حكوميين، مما يتعارض مع القوانين الجاري بها العمل. كما أنه لا أحد يقبل استهداف المواطنين من قبل السلطات من خلال سلسلة من المتابعات والشكايات وأحكام التعويض الثقيلة ضدهم من أجل تكميم الأفواه، إذ يتعين على الجميع احترام القانون، دون استعمال الشطط في ممارسة السلطة أو انتقائية ممنهجة في المتابعات.
فاليوتيوبر المهداوي الذي طالما وقع في المحظور بسبب خرجاته غير المحسوبة العواقب، عاد مرة أخرى يوم 19 مارس 2025لإثارة الجدل عبر إقدامه على نشر فيديو جديد، يهاجم فيه اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة، على خلفية ما صدر عنها من اتهامات له بنشر الأكاذيب وتضليل الرأي العام، حيث أنه بدل القيام بتقديم ما يلزم من أدلة وأجوبة مقنعة لدحض الاتهامات الموجهة إليه والمطالبة بإنصافه، فضل اللجوء إلى مهاجمة الصحفية نجيبة جلال، التي سبق له الادعاء في عدة مناسبات عدم معرفتها ولا حتى قراءة افتتاحياتها أو مشاهدة برنامجها، لا لشيء سوى أنها كانت من بين الإعلاميين الذين لا يكفون عن التحذير من أساليبه التضليلية وبحثه المتواصل عن صناعة “البوز”، والترويج لنفسه على أنه مستهدف من قبل السلطات وضحية لعديد المؤامرات.
إذ أن التسجيل المصور الذي بثه المهداوي على موقع “يوتيوب” حول تعرضه لما وصفه بمخطط إسرائيلي يستهدفه داخل المغرب، مؤكدا أن ما يحدث له ليس بالشيء الهين، بل هو خطة مدبرة ضده،حيث قال: “عندي قرائن بأن إسرائيل تستهدفني في المغرب، ولا أعرف إلى أين يمكن أن تصل الأمور في المستقبل. أحس بالخوف من إسرائيل، وألمس ذلك لأنني عندما أرى ما يجري لي من مشاكل أحس أن هناك توقيعا من يد واحدة هي إسرائيل، كثرة الشكايات والمحاكمات والمجالس التأديبية، هذا ليس صدفة بل هو مخطط، هناك تخطيط شيء ما لا يمكن للمجلس الوطني أن يقع في هذا الغلط، هناك جهة ما دخلت على الخط” كما لم يفته المطالبة بالحماية الملكية. فأي هذيان أفظع من هذا الذي أثار حفيظة الكثيرين وخاصة أعضاء اللجنة المؤقتة المكلفة بتسيير قطاع الصحافة والنشر، التي سارعت إلى الرد بقوة على ادعاءاته وما تضمنه التسجيل من مغالطات، معتبرة أنها لا تعمل سوى على تشويه سمعة المؤسسات الوطنية وتستغل القضايا المهنية لأهداف شخصية.
لأجل ذلك لم تتأخر اللجنة المؤقتة السالفة الذكر في التنديد بما ورد على لسان المهداوي من اتهام المجلس الوطني للصحافة بخدمة مخطط إسرائيلي يستهدفه وإقحام المؤسسة الملكية في ترهاته، معتبرة أن تصريحاته تكتسي خطورة بالغة، لكونها تشكل مادة سائغة لكل أعداء الوطن وفي مقدمتهم حكام قصر المرادية والمخابرات العسكرية الجزائرية، وتعطي الانطباع بأن “مؤسسات المملكة مخترقة من طرف مخابرات دولة أجنبية، تفعل فيها ما تريد، مما يسيء للمغرب وحصانة مؤسساته وكفاءة أجهزته ومصداقيتها”
إن حميد المهداوي يتجاوز أحيانا حدود اللباقة ولا يحترم أخلاقيات ومبادئ العمل الصحفي والإعلامي، حين يصر على اللجوء إلى الخطاب الشعبوي والتجرد من روح المواطنة الصادقة والحس بالمسؤولية، مفضلا بذلك الرفع من وتيرة عداد المتابعات والمشاهدات مهما كانت مسيئة للوطن ومؤسساته، وعينه على المبالغ المالية التي يمكن له جنيها من هنا أو هناك، مما قد يعرضه مرة أخرى للمساءلة.
اسماعيل الحلوتي