*بقلم فكري سوسان
عندما أنهيت قراءة كتاب “فكّر كفنان”(Piensacomo un artista) للكاتب ويل جومبيرتز( (Will Gompertz)، وجدت نفسي أمام عمل لا يكتفي بتعريف الإبداع، بل يربط هذا المفهوم بجوهر التجربة الإنسانية. الكتاب لا يُعلّم كيف نبدع فقط، بل يعرض الإبداع كمنظومة فكرية وسلوكية قادرة على تغيير الفرد والمجتمع.
جومبيرتز يفتح أمامنا أبواب الإبداع كقدرة أصيلة متأصلة لدى الجميع. يقول:
“الإبداع ليس امتيازًا لفئة محددة، بل هو قدرة متأصلة لدى كل فرد منا.”
“La creatividad no es un privilegio de unospocos, sino unacapacidadinherente a cadauno de nosotros.”
بهذا التعريف، يعيد الكاتب تشكيل علاقتنا مع الإبداع؛ فهو ليس حكرًا على الفنانين، بل مهارة حياتية يمكن أن نجدها في مواقف يومية، مثل التفكير خارج الصندوق في العمل أو حل المشكلات في العلاقات.
الإبداع، كما يوضّح الكاتب، ليس مرهونًا بالإلهام اللحظي أو الوحي الغامض. إنه عملية تتطلب الالتزام والعادات اليومية، حيث الشغف هو المحرك الأساسي. يقول:
“الشغف – أو الحماسة إذا شئت – هو الحافز الذي يدفعنا إلى الرغبة في معرفة المزيد، ويمنحنا الدافع للبحث والتفكير وإنتاج المعرفة.”
“La pasión —o el entusiasmo, si lo prefieren— es la espuela que nos hace querer saber más. Nos proporciona el impulso para investigar, reflexionar y generarconocimiento.”
الشغف هنا ليس مجرد دافع، بل وسيلة لإعادة النظر في العالم بعيون جديدة، تجدد طاقتنا وتحثنا على التفكير بشكل مبتكر.
في عصرنا الحالي، حيث تسود المعلومات السريعة والضغوط، يصبح الإبداع مقاومة لتلك الفوضى. جومبيرتز يربط بين الإبداع والديمقراطية، مشيرًا إلى قوته في تشكيل المجتمعات. يقول:
“الإبداع يمنح صوتًا للديمقراطية ويُشكّل الحضارة.”
“La creatividad da voz a la democracia y forma a la civilización.”
بهذه العبارة، يبرز أن الإبداع ليس فقط للفرد، بل هو حجر أساس لتطور الحضارات وتحقيق العدالة. من خلال الإبداع، يمكننا تخطي حدودنا، سواء كانت شخصية أو جماعية، لنعيد تصور العالم من حولنا.
واحدة من أهم النقاط في الكتاب هي العلاقة بين الإبداع والفشل. يقول:
“الفشل ليس هو الخطأ نفسه، رغم أن الخطأ قد يؤدي إلى ما يبدو كفشل في البداية.”
“El fracaso no es lo mismo que el error, aunque un error puede conducir a lo que a primera vista puede parecer un fracaso.”
جومبيرتز لا يرى الفشل كنهاية، بل كجزء طبيعي من الرحلة. هنا، يدعونا إلى تقبل الفشل كفرصة للتعلم والتطوير، حيث أن كل تجربة هي لبنة في بناء نجاح أكبر. هذه الفكرة تذكّرنا بأن الإبداع لا يمكن أن ينفصل عن التجربة والخطأ.
الكتاب يضع الإبداع كمنهج حياة، حيث يدعونا للتساؤل: كيف يمكننا أن نصبح أكثر إبداعًا في حياتنا اليومية؟ الإجابة ليست في انتظار اللحظة المثالية أو الظروف المناسبة، بل في تبني رؤية فنان، حيث الفضول والشجاعة هما الأدوات الأساسية. عندما ننظر إلى العالم بعيون الفنان، نصبح أكثر استعدادًا لمواجهة التحديات، ونرى في كل مشكلة فرصة للإبداع.
ختامًا، “فكّر كفنان” هو دعوة لإعادة اكتشاف طاقاتنا الكامنة. يدعونا للتساؤل: ماذا يمكننا أن نبدع اليوم؟ وكيف يمكن لأفكارنا، مهما بدت بسيطة، أن تصنع تغييرًا ملموسًا في حياتنا وحياة الآخرين؟ الإبداع هو استجابة شجاعة للعالم، وهو ما يجعلنا بشرًا أكثر اتصالًا بذواتنا وبالكون من حولنا.
*أستاذ جامعي بجامعة محمد بن عبد الله بفاس