بقلم فكري سوسان
تعريض الحياة الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي يشكل تحديًا جديدًا أمام المجتمع المغربي الذي يشهد تغيرات كبيرة في أسلوب حياته نتيجة انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الرقمي. في المغرب، أصبحت منصات مثل فيسبوك وإنستغرام جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، حيث يشارك الناس تفاصيل عن حياتهم الشخصية بشكل غير مسبوق. هذه الظاهرة، على الرغم من كونها تعكس حداثة المجتمع وتواصله مع العالم، تحمل أضرارًا نفسية واجتماعية تؤثر بشكل كبير على الأفراد والعائلات.
في الثقافة المغربية، خصوصية الأسرة لها قيمة راسخة. ومع ذلك، فإن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي بدأ يُضعف هذه القيم. نشر صور أفراد الأسرة، خاصة الأطفال، قد يعرضهم لخطر الاستغلال أو سوء الاستخدام. في مجتمع تقليدي مثل المغرب، قد تُعتبر هذه السلوكيات خروجًا عن الأعراف الثقافية، مما يثير نقاشًا حول كيفية تحقيق التوازن بين الحفاظ على القيم التقليدية والانفتاح على العالم الرقمي.
تظهر الأبحاث أن التعرض المستمر للحياة المثالية التي تُعرض على وسائل التواصل الاجتماعي يعزز المقارنة الاجتماعية ويؤدي إلى الشعور بالنقص، وهو ما ينعكس على الصحة النفسية للمغاربة، خاصة الشباب. الجيل الجديد، الذي ينتمي في الغالب إلى الطبقات الوسطى والناشئة، يُعد الأكثر عرضة لهذه التأثيرات، حيث يقضي ساعات طويلة يوميًا على المنصات الرقمية. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت وسائل التواصل أداة أساسية للحصول على القبول الاجتماعي، مما يجعل الشباب يتنافسون لنشر صور حياتهم اليومية بشكل يلفت الأنظار.
ظاهرة “المشاركة المفرطة” لدى العائلات المغربية تعكس أيضًا ضعف الوعي بالمخاطر المرتبطة بالنشر الرقمي. على الرغم من تزايد المبادرات التي تهدف إلى تعزيز الوعي بالاستخدام المسؤول للتكنولوجيا، لا يزال كثيرون يشاركون معلومات حساسة وصورًا خاصة دون إدراك كامل للعواقب. في مجتمع يحترم الخصوصية ويقدر الحشمة، فإن هذه السلوكيات قد تؤدي إلى توترات داخل العائلات أو تعرض الأفراد للنقد الاجتماعي.
لحماية المجتمع المغربي من التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي، من الضروري تعزيز التثقيف الرقمي من خلال المدارس والمبادرات المجتمعية. تعليم الشباب والأسر كيفية استخدام هذه المنصات بطريقة آمنة ومسؤولة يمكن أن يساعد في الحفاظ على الخصوصية وتقليل التحديات النفسية المرتبطة بالمقارنة الاجتماعية. علاوة على ذلك، يتطلب الأمر استعادة قيم التوازن بين الحفاظ على الخصوصية الفردية والانفتاح على العالم الحديث.
تعريض الحياة الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي ليس مجرد سلوك فردي؛ بل هو مؤشر على التحولات العميقة التي يعيشها المجتمع المغربي في عصر الرقمنة. التحدي اليوم يكمن في إيجاد نهج متوازن يحمي الخصوصية ويعزز الصحة النفسية للأفراد مع الحفاظ على قيم المجتمع.