شهد إقليم الحسيمة خلال السنوات الأخيرة مشاريع ترميم ضخمة لمجموعة من المآثر التاريخية، شملت قلعة أربعاء تاوريرت، موقع المزمة الأثري، قلعة طوريس، قصبة سنادة، وموقع بادس الأثري. بلغت التكلفة الإجمالية لهذه المشاريع حوالي 32 مليون درهم، تم تمويلها مناصفة بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل ووزارة الداخلية، ضمن برنامج يهدف إلى حماية التراث وتعزيز الهوية التاريخية للمنطقة.
تم تنفيذ عمليات الترميم تحت إشراف المحافظة الجهوية للتراث بجهة طنجة- تطوان- الحسيمة، وشملت تقوية الأسوار والأبراج، وإعادة تهيئة المداخل، وتركيب لوحات توضيحية توضح الأهمية التاريخية للمواقع. وُصفت هذه المشاريع بأنها مبادرة ثقافية وسياحية تسعى إلى إحياء هذه المواقع وجعلها نقطة جذب للزوار المحليين والدوليين، مع فتح فرص عمل جديدة في القطاع الثقافي والسياحي.
غير أن الواقع كشف فجوة كبيرة بين الطموح والتنفيذ الفعلي، خصوصًا في قلعة أربعاء تاوريرت وموقع المزمة بأجدير، إذ ظلت هذه المواقع مغلقة أمام الجمهور، ولم تُستثمر في أي نشاط ثقافي أو سياحي. يطرح هذا الأمر علامات استفهام حول مدى فعالية إدارة هذه المآثر بعد الترميم، ويبين أن الاستثمار المالي الضخم لم يترجم إلى استفادة فعلية من التراث التاريخي.
استياء الفاعلين الثقافيين والمهتمين بالتراث كان واضحًا، إذ اعتبروا المشاريع أعمال صيانة شكلية فقط، دون تصور واضح لاستغلال المواقع. وطالب هؤلاء بفتح المآثر أمام الزوار بشكل دائم، ووضع برامج ثقافية وسياحية مستمرة تضمن استدامة الاستثمار وتحويل المواقع التاريخية إلى فضاءات حية تعكس قيمتها وأهميتها في التنمية المحلية.
كما أبدى الفاعلون استغرابهم من ردود المنتخبين الذين لم يثيروا هذه القضية الحيوية رغم أهميتها. وشددوا على ضرورة تدخل الجهات المختصة، خصوصًا المحافظة الجهوية للتراث، لتطوير برامج دمج هذه المآثر في المخطط الثقافي والسياحي للإقليم، بدلاً من الاقتصار على الترميم الشكلاني والأنشطة العرضية التي لا تحقق أي أثر حقيقي.
في النهاية، يبقى السؤال مطروحًا: كيف أمكن لوزارة الشباب والثقافة والتواصل صرف هذه المبالغ الضخمة دون التفكير في آليات تشغيل وإدارة المآثر؟ تبقى المواقع مغلقة، ويظل الاستثمار رمزيًا أكثر منه عمليًا، ما يستدعي تحركًا عاجلًا من جميع الأطراف المعنية لإنقاذ التراث وتحويله إلى مورد حي يخدم التنمية المحلية ويعزز السياحة الثقافية.