“جمهورية الريف” بين الحقائق التاريخية ومفهوم “وهم الحقيقة” عند من تدعمهم جارتنا الجزائر
في بداية انطلاق الحراك الشعبي بالريف صرحت لإحدى الجرائد الالكترونية، أن على الدولة الركون إلى الحوار مع نشطاء الحراك لحل المشاكل التي تعاني منها المنطقة و ساكنتها . وأن تعمل على جعل الملف القضائي للشهيد محسن فكري قدوة في إظهار إرادة الدولة المضي في كشف الحقيقة كاملة ومحاسبة المسؤولين عنها وكذا معالجة أسبابها .
ونبهت حينها إلى ما قد ينتج عن أي مقاربة أمنية عنيفة للتعامل مع الحراك ونشطائه من تداعيات سلبية قد تخلق توترا ترابيا جديدا على شاكلة الوضع التي تشهده الصحراء المغربية , حتى وإن اتخذ شكل ما يطلق عليه علماء النفس” بوهم الحقيقية “. أو كذبة يكفي تكرارها لتتحول إلى حقيقة كما كان يقول جوزيف غويلز مسؤول الدعاية السياسية للحكومة النازية. وهي المقاربة التي قد تدفع البعض إلى استغلال الوضع المحتقن إلى اتخاذ مواقف متطرفة خاصة وأن بعض مؤشرات ذلك كانت قد بدأت بالظهور من خلال بعض الشعارات، واستعمال بعض الرموز التاريخية الكامنة في الذاكرة الجماعية للمنطقة التي عملت الدولة تاريخيا على تهميشها وطمسها.علما كذلك أني نبهت في حينها نشطاء الحراك إلى هذه الإنفلاتات التي لا تخدم في شيء مطالب الساكنة، بقدر ما تستغل من طرف أجندات تعمل لخدمة أطراف أجنبية أو داخلية تحاول استغلال الموروث التاريخي للمنطقة، وكذا حالة الاحتقان التي تخترق العلاقة المتوترة تاريخيا بين الريف والدولة المركزية، بل وإذكائها من أجل تمرير إما مشاريع سياسية خارجية لتصفية حساباتها مع الدولة المغربية، أو داخلية لخلق الظروف المناسبة لتبرير استعمال القمع المفرط لإخماد شعلة الحراك، وبالتالي عمدت بوعي أو بدون وعي إلى خلق كل أسباب تبرير استعمال المقاربة الأمنية بما فيها حشد الدعم الحكومي من خلال دفع أحزاب الأغلبية الحكومية إلى إصدار بيانهم المشؤوم الذي يتهمون فيه الحراك ونشطاؤه بالانفصال والتآمر، إضافة إلى غض الطرف عن مجموعة من العناصر التي كانت دائمة القدوم من الديار الأوروبية عبر المعابر الرسمية ومعها الكثير من أدوات التعبئة لإذكاء حماسة بعض المتطرفين المتواجدين في الحراك، دون ان يدرك القائمون على هذه الأجندة الداخلية، القصيرة النظر، أنهم يلتقون استراتيجيا مع أجندات خارجية غايتها خلق بؤر توتر داخلية، وهو ما اشتغلت عليه و وظفته لاحقا المخابرات الجزائرية التي عمدت إلى استقطاب بعض العناصر المتطرفة خارج الوطن، و تمويلها بكل ما تحتاجه من إمكانيات لوجستية ومالية من أجل تأسيس ما سمي “بحركة استقلال الريف ” التي تكثف مفهوم “وهم الحقيقة” عند علماء النفس، علما أن هذه الحركة لا تتمتع على أي امتداد واقعي في الريف، أو تعاطف من أهله، وهي المنطقة التي كانت دوما مدافعة عن وحدة أراضي البلاد، ومقاومة كل الأطماع الاستعمارية ابتداء من الحركات الجهادية في شمال المغرب في القرن السابع عشرة، إلى حدود المقاومة الريفية بقيادة الامير محمد بن عبد الكريم، وبالتالي فإن الريف لم يكن عبر التاريخ انفصاليا حتى عندما كانت شروط ذلك متوفرة، وبعلاقة بالضعف الذي كان ينخر جسم السلطات المركزية في مراحل تاريخية كثيرة، وذلك لسبب بسيط أن الريف كأرض و ساكنة مفعمة بمقاومة الأجنبي الدخيل، هو الأصل، والأصل لا ينفصل على الفرع الذي يتم اختزاله في العواصم السياسية للدولة والتي يمكن تغييرها حسب رغبة الحكام، ولكن ما أنبه إليه هو أن وهم الحقيقية حسب الاصطلاح النفسي يمكن أن يتحول إلى حقيقة عند البعض في المهجر. خاصة مع ما شهدته المنطقة في السنين الأخيرة من هجرات جماعية للشباب في اتجاه أوروبا الذين يعيشون ظروفا قاسية تسهل عملية استقطابهم، خاصة مع ما تضخه المخابرات الجزائرية من أموال لخدمة أجندتها القاضية إلى خلق بؤرة توتر ترابية جديدة في منطقة الريف، ولو على حساب مصلحة مواطنيه ومواطناته الذين أصبحوا يعيشون بين مطرقة الجزائر و سندان بعض المسؤولين الأمنيين المغاربة الذين يحملون حقدا دفينا للريف، و يعتبرون المقاربة الأمنية السبيل الأنسب لتهدئة الأوضاع بالمنطقة و تبريد الرؤوس الساخنة كما يقولون، علما أن المنطقة تحتاج لمسؤولين عقلاء قادرين على لملمة الجراح التي تتخن علاقة الريف وأهله بالدولة المركزية، مع الاستجابة لمطالبهم المتمثلة في إطلاق ما تبقى من معتقلي حراك الريف، وحقهم في التنمية المستدامة والكرامة، وعدم التضييق على الحريات وتشجيع المبادرات المدنية الجادة لأبناء المنطقة، وحفظ ذاكرتهم الجماعية بما تزخر به من رموز تشكل في نفس الآن ذاكرة مشتركة لجميع المغاربة. بهذا فقط إذن ، يمكن دحض كل مشاريع التجزئة التي يخطط لها البعض سواء كانوا دولا أو أفرادا.
خلاصة القول نحن في الحاجة إلى عقلاء لتدبير قضايا الريف وكل الوطن.
د.تدمري عبد الوهاب