في الوقت الذي عمت فيه الفرحة ليس فقط قلوب السوريين، بل جميع شعوب العالم التواقة إلى الحرية والمؤمنة بالعدالة والديمقراطية، مباشرة بعد إعلان التلفزيون السوري الرسمي ومعه عديد وسائل الإعلام الدولية فجر يوم الأحد 8 دجنبر 2024 عن تمكن المعارضة السورية المسلحة من إسقاط النظام السوري وإجبار الرئيس بشار الأسد على الفرار إلى وجهة غير معلومة عبر طائرة خاصة، شعر النظام العسكري الجزائري بخيبة أمل كبرى لفقدانه حليفا كبيرا، كانت تربطه به علاقات وطيدة، وخاصة أنهما يشتركان معا في القمع ومصادرة الحريات، كما يشهد بذلك اكتظاظ السجون والمعتقلات بالأبرياء في البلدين، فضلا عن المواطنين الذين أرغموا على العيش خارج الحدود في المنفى.
فمن مكر الصدف أنه لم تمض سوى أيام قليلة على إجراء عبد المجيد تبون الواجهة المدنية للنظام العسكري الجزائري اتصالا هاتفيا مع الرئيس السوري الهارب إلى روسيا، حيث تم خلاله الاتفاق على تعزيز روابط التعاون الثنائي بين القطرين، عبر تبادل الزيارات وتنفيذ برامج عمل مشتركة. وهو الموقف الذي طالما أثار حفيظة عديد السوريين الذين كانوا ومازالوا يستنكرون بشدة مثل هذا التأييد لنظام ديكتاتوري لا يحسن من شيء عدا القهر والظلم والتجويع وتكميم الأفواه والزج بمعارضية في السجون.
وليس وحده عبد المجيد تبون من أبدى استعداد بلاده الجزائر للتعاون مع نظام الأسد، بل هناك أيضا وزير الخارجية أحمد عطاف الذي أعلن يوم الثلاثاء 3 دجنبر 2024 في اتصال هاتفي مع نظيره السوري بسام صباغ، عن وقوف الجزائر إلى جانب سوريا دولة وشعبا، في مواجهة التهديدات الإرهابية. وقد سبقهما إلى ذلك كل من السفير الجزائري لدى دمشق لحسن تهامي، الذي صرح بموقف الجزائر الثابت في الدعم الكامل للنظام السوري ومباركة استعادة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية، وكذا وزير الخارجية الأسبق صبري بوقادوم في عام2020 الذي عبر عن ذات الموقف، حين اعتبر تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية خسارة كبرى لجميع أعضائها. واستمر النظام الجزائري في تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي لنظام الأسد، في وقت كانت فيه جل الدول العربية والغربية تندد بممارساته الدنيئة تجاه شعبه.
ثم إن الأدهى من ذلك هو ما تناقلته عديد وسائل الإعلام الأجنبية وفي مقدمتها الفرنسية حول مشاركة مسلحين جزائريين وصحراويين إلى جانب جيش نظام الأسد في إطار اتفاق سري ثلاثي بين سوريا وإيران والجزائر ضد “الجيش السوري الحر” و”ثوار سوريا”. حيث أكدت تقارير إعلامية أن الفصائل المسلحة السورية المسيطرة حاليا على العاصمة دمشق، اعتقلت جنرالا جزائريا يدعى “طير حمود”، كان يقود فرقة عسكرية مؤلفة من 800 مقاتل، من ضمنهم 300 ضابط في العسكر الجزائري و500 مرتزق من جبهة البوليساريو الانفصالية والإرهابية، بالإضافة إلى أن وزير الخارجية الجزائري عاد للاتصال بنظيره السوري من أجل اتخاذ ما يلزم من ترتيبات مستعجلة، لنقل أو دفن جثامين الجنود الجزائريين في سرية تامة ودون الكشف عن هوياتهم.
وهو ما أدى بالمعارضة السورية إلى اعتبار النظام العسكري الجزائري عدوا كبيرا للشعب السوري، إذ أنه لم يفتأ يعمل بكل الوسائل والسبل الممكنة والإمكانيات المتاحة على محاولة إجهاض ثورتهم وهضم حقوقهم، كما أنه لم يكن يتوقف عن الدعم الكامل واللامشروط لنظام بشار الأسد، لا لشيء عدا أنه هو أيضا نظام متسلط ودكتاتوري وشبيه له في سياساته القمعية.
وليس من السهل أبدا أن يغفر الشعب السوري وثواره الأشاوس للجزائر مشاركتها في التنكيل بالسوريين وتهجير عائلاتهم ووضع حكامها أيديهم في يد المخلوع بشار الأسد، الذي لم يكن يتردد لحظة واحدة في الزج بمعارضيه في غياهب السجون والمعتقلات الرهيبة، وإعطاء الأوامر لجنوده بإطلاق البراميل المتفجرة على شعبه الأعزل…
فنظام عسكر الجزائر يكاد لا يختلف كثيرا عن نظيره السوري من حيث استبداده وديكتاتوريته، فهما معا نظامان دمويان، وتجمع بينهما عدة قواسم مشتركة يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ومنها أنه كما ظل حزب البعث السوري هو الحزب الوحيد المهيمن على الحياة العامة والسلطة، فيما ظلت باقي الأحزاب مجرد تنظيمات صغيرة لتأثيث المشهد السياسي، هناك في الجزائر كذلك حزب واحد ووحيد هو “جبهة التحرير الوطني” الذي يمثل الدولة بل هو الدولة، وباقي الأحزاب صورية ليس إلا. وأنه كما وصل حافظ الأسد الأب إلى السلطة عبر دبابة وظل يحكم بواسطتها إلى حين تسليمها لابنه بشار الأسد، حدث نفس السيناريو في الجزائر التي وصل فيها محمد بوخروبة “هواري بومدين” إلى الحكم من خلال انقلاب عسكري، ليستمر بعده الكابرانات هم وحدهم القائمون على تعيين الرؤساء والتحكم فيهم من خلف الستار…
عموما، نحن هنا لا نريد لثوار سوريا بمختلف تشكيلاتهم الانشغال بالانتقام من جلاديهم وكل من ساهم في سجن وتقتيل وتهجير إخوانهم وعائلاتهم وتخريب بلادهم، بل نريد لهم التفكير فقط في استتباب الأمن والاستقرار والانكباب العاجل على بناء دولة مدنية ديمقراطية تتسع لجميع أبنائها على قدم المساواة. وفي ذات الوقت ندعو عسكر الجزائر إلى الاتعاظ بما حدث في سوريا وغيرها من البلدان العربية، واستخلاص الدروس والعبر، من أجل الشروع في النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، وتحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين الجزائريين قبل فوات الأوان، حتى يمكنهم تفادي مصير الأسد ومن سبقوه من الحكام المستبدين.
اسماعيل الحلوتي