شيء ما يبدو غير طبيعي خلال الأسابيع الأخيرة، من خلال ارتفاع وتيرة الهجمات الإعلامية الرعناء وترويج الأكاذيب والشائعات، ليس فقط من قبل الآلة الإعلامية الجزائرية وغيرها من أعداء الوطن وخصوم وحدته الترابية، بل حتى من الداخل وعلى منصات التواصل الاجتماعي، ولاسيما في ظل ما بات يشهده المغرب من مسار تنموي ناجح وانتصارات على عدة مستويات، وخاصة على المستويين الدبلوماسي والرياضي، سواء في ملف الصحراء المغربية أو النتائج المبهرة للمنتخبات الوطنية في كرة القدم تحديدا…
ففي ظل ما بات يشهده المغرب من إصلاحات وتحولات استراتيجية منذ أن تولى الملك محمد السادس مقاليد الحكم خلفا لوالده الراحل الملك الحسن الثاني، أصبحت بلادنا هدفا لعدد من الهجومات الإعلامية ومختلف المكائد والدسائس، من قبل جهات مكشوفة تستهدف رموزها وأركانها، وتحول بعض الخونة والمغرضين إلى أدوات طيعة في أيدي الخصوم والأعداء، الذين يسعون جاهدين إلى التضليل وتشويه الحقائق بواسطة حملات ممنهجة، رافضين أن يصبح المغرب نموذجا للأمن والاستقرار والتنمية، بيد أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل ولم تكن قادرة على تعطيل مساره التنموي وإثارة الفتة بين أبناء الشعب، الذين استطاعوا بفضل السياسة الرشيدة لعاهلهم المفدى تشكيل سد منيع أمام الحروب اللاأخلاقية التي تخوضها ضد بلادهم بعض البلدان الحاقدة و”الذباب الإلكتروني” التابع لها.
إذ أنه وبعيدا عما سبق الترويج له حول إنشاء “جمهورية الريف” من قلب الجزائر ضمن مطالب انفصالية، تهدف بالأساس إلى محاولة تفكيك المغرب تحت عدة شعارات خادعة من طرف بعض منعدمي الضمير والمفلسين أخلاقيا، أولئك المرتبطون بأجندات خارجية تسعى إلى ضرب تماسك المغرب ووحدته الترابية. وبصرف النظر كذلك عما تعرضت له بعض المواقع الإلكترونية في الأيام الأخيرة من اختراق سيبراني، وما ترتب عنه من تسريبات واسعة النطاق للبيانات الشخصية ذات الأهمية البالغة في عدة شركات وهيئات حكومية من قبيل وزارة اٌدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بما من شأنه زعزعة الاستقرار وتهديد السلم العائلي والاجتماعي والوطني. وغير ذلك من الهجمات المختلفة
فإن ما يهمنا هنا والآن هو ما حدث مؤخرا من تجييش مواطنين أبرياء ضد بواخر وهمية يشتبه في نقلها عتادا حربيا إلى إسرائيل، من خلال تنظيم مسيرات احتجاجية يوم الأحد 20 أبريل 2025 نحو مينائي الدار البيضاء وطنجة المتوسط وكذا ميناء طنجة المدينة، تعبيرا عن رفضها استقبال الموانئ المغربية لسفينة “مايرسك”، بدعوى أنها تحمل قطع غيار لطائرات حربية متجهة نحو الكيان الإسرائيلي الذي يقوم بحرب إبادة جماعية في قطاع غزة منذ سنة ونصف. وهي المسيرات التي رفعت خلالها أعلام فلسطينية وكوفيات وصور لرموز المقاومة إلى جانب لا فتات تطالب بطرد السفن المشبوهة وعدم تلطيخ موانئ المغرب بدماء الفلسطينيين العزل، وقف التقتيل محاسبة المجرمين وفتح المعابر من أجل إدخال المساعدات، وإسقاط التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال، تنتقد بشدة التخاذل العربي الإسلامي وتدين التواطؤ المخزي لعدة دول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية مع الكيان في جرائمه الوحشية ضد الإنسانية.
وجدير بالذكر أن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق عبد الإله ابن كيران، الذي لم يفتأ يتصيد الفرص قصد إعادة البريق المفقود لحزبه، طمعا في العودة ثانية إلى رئاسة الحكومة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لم يتأخر في الانقضاض على هذه الفرصة، مستغلا في ذلك كلمته بمناسبة اجتماع الأمانة العامة للحزب يوم السبت 19 أبريل 2025، حيث أبى إلا أن يعبر عن رفضه القاطع استقبال الموانئ المغربية لسفن تحمل أسلحة موجهة لإبادة الفلسطينيين. بينما لم تتأخر شركة “ميراسك” الرائدة عالميا في قطاع الخدمات اللوجستية والنقل البحري في تفنيد الإشاعات التي تم الترويج لها على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشددة على أن لديها سياسة ثابتة بعدم شحن الأسلحة أو الذخائر إلى المناطق المتأثرة بالنزاعات، التزاما منها بالقانون الدولي وتفاديا للإسهام ولو بشكل غير مباشر في تأجيج النزاعات أو إطالة أمدها…
فهل يعقل والحالة هذه أن يقبل ملك المغرب الذي هو في نفس الوقت رئيس لجنة القدس، أن ترسو في موانئ بلاده سفن محملة بالعتاد الحربي الموجه ضد الشعب الفلسطيني، علما أنه ومنذ أن ورث المسؤولية عن والده، وهو يؤكد أن موقفه من دعم القضية الفلسطينية سيبقى ثابتا ولن يتغير مهما طال الزمن، وأن المغرب سيظل يدفع في اتجاه حل الدولتين، ويعتبر أن القضية الفلسطينية لا تقل شأنا عن قضية الصحراء، التي لن يتم ترسيخ مغربيتها على حساب الشعب الفلسطيني، الذي يكافح من أجل انتزاع حقوقه المشروعة؟
إنه لمن الوهم الاعتقاد بأن رياح الكذب والتضليل واللجوء إلى المؤامرات الدنيئة من شأنها هز المغرب وزعزعة أمنه واستقراره، فهو ليس بتلك الساحة المفتوحة أمام المغرضين والخونة المرتمين في أحضان الأنظمة الديكتاتورية، بل إنه البلد العريق بتاريخه وأمجاده، الصامد في وجه الأعداء والخصوم. وسيظل حصنا منيعا تحت قائده الملهم جلالة الملك رمز وحدته الوطنية وضامن استقراره، وقويا بمؤسساته وأبنائه الشرفاء الذين يلتفون حول ثوابته، المستعدين دوما لمزيد من التضحيات والدفاع عن وحدته الترابية.
اسماعيل الحلوتي