بمجرد ما إن صادق المجلس الحكومي الذي انعقد يوم الأحد 19 أكتوبر 2025 تحت رئاسة ملك البلاد محمد السادس، على مشروع القانون المتعلق بمجلس النواب، الذي يقضي بتحفيز الشباب دون سن الخامسة والثلاثين على الانخراط في الحياة السياسية والمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، ويتم بموجبه السماح لهم بالترشح للانتخابات سواء في إطار التزكية الحزبية أو بدونها، ودعمهم ماليا بنسبة 75 بالمائة من مصاريف الحملة الانتخابية، أي ما يعادل 35 مليون سنتيم، حتى ثارت ثائرة بعض أمناء الأحزاب السياسية، خوفا من تواصل تراجع تأثيرها في المجتمع وتعميق فقدان ثقة المواطنين فيها.
بيد أنه وبتزامن مع الكشف عن مضامين مشروع القانون السالف الذكر وما أثاره من ردود فعل متباينة بين مؤيد ورافض، أعطى الكاتب الأول لحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” ادريس لشكر صورة سلبية عن الديمقراطية الداخلية للأحزاب السياسية، من خلال ترشحه لولاية رابعة في المؤتمر الوطني الثاني عشر الذي انعقد بمدينة بوزنيقة أيام 17/18/19 أكتوبر 2025 للاستمرار في قيادة الحزب وهو في عمر 71 سنة. فهل معنى هذا أن الحزب الذي كان مثالا في استقطاب الشباب ومدرسة عريقة لتكوينالأطر الحزبية القادرة على تحمل المسؤولية والتدبير الجيد، أصبح عقيما وفقد بريقه السياسي؟
فما لا يختلف حوله اثنان ولا ينبغي أن يغيب عن الأذهان، ليس فقط بالنسبة لزعيم حزب “الوردة” ادريس لشكر، بل حتى بالنسبة لكل من الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد الله، وكذلك عبد الإله ابن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية وغيرهما، هو أنه بمثل هذه الممارساتالرامية إلى “تخليد القيادات”،يكرسون ظاهرة عزوف الشباب عن الانخراط في الأحزاب السياسية والمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، ولاسيما أن الأحزاب السياسية لم تعد في العقود الأخيرة تمثل طموحاتهم، بعد أن تحولت إلى مجرد “دكاكين انتخابية” تشتغل فقط خلال المواسم الانتخابية، سعيا إلى تحقيق مصالح “الزعيم” الضيقة وعشيرته، عوض القيام بدورها في تأطير المواطنات والمواطنين وفق ما ينص عليه الفصل السابع من الدستور، فضلا عن غياب النزاهة والشفافية، وعدم مواكبتها للتطورات الرقمية، في ظل سيطرة هؤلاء”الشيوخ” على القيادة، مما يساهم في حرمان الشباب من المشاركة في اتخاذ القرار، ويولد لديهم الشعور بالإحباط والإقصاء والتهميش…
ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن التمديد ل”ادريس لشكر” كاتبا أول على مدى أربع سنوات أخرى، لم يمر مرور الكرام، لاسيما أن الرجل لم ينفك يشعل “الحرائق” منذ ولايته الأولى، وقد أثار هذا “التمديد” سيلا جارفا من الانتقادات وموجة عارمة من السخرية، مما أدى بعدد من مناضلي الحزب من أساتذة ومحامين ومهندسين وعمال وموظفين إلى اتخاذ قرارات حاسمة سواء عبر تقديم استقالتهم أو الاكتفاء بالانسحاب الهادئ وتجميد عضويتهم في انتظار رحيل “لشكر” أو مغادرة الحزب في اتجاه أحزاب أخرى، حيث أن هؤلاء الغاضبين يستنكرون لجوءه إلى ما اعتبروه “تحايلا على القانون”، عبر التعديل “المخدوم” الذي طال المادة 217 من النظام الأساسي للحزب، قصد فتح باب الترشح أمامه لولاية إضافية.
وإذا كان الموالون والمستفيدون من استمرار “ادريس لشكر” في قيادة سفينة حزب الوردة التي أصابها الذبول في عهده، يرون في هذا التمديد “استقرارا تنظيميا” و”استعدادا للاستحقاقات الانتخابية القادمة”، فإن الرافضين لذلك لهم رأي آخر، ويعتبرون الأمر “انقلابا ناعما” على مبادئ التداول الديمقراطي داخل الحزب و”تأسيسا لما وصفه البعض ب”الاستمرارية القسرية”، وأن أي حديث آخر عن “الاستقرار المزعوم” و”وحدة الصف” لا يعدو أن يكون ذر للرماد في العيون، ولا يجب أن يتم على حساب مبدأ التغيير الحقيقي والتداول النزيه والشفاف على القيادة…
فما يعاب على ادريس لشكر أنه بدل أن يقود حزب “القوات الشعبية”، الذي انبثق عن الحركة الوطنية ومن رحم المقاومة الشعبية إلى مزيد من التوهج، جره إلى انكماش مستمر. والأكثر من ذلك أنه شرع منذ توليه منصب القيادة في إقصاء جميع من يخالفونه الرأي، وساهم بقسط وافر في إضعاف أذرع الحزب الشبابية والنسائية والنقابية، إلى حد تفريغه من روحه النضالية وحمولته الفكرية، وتحويله إلى مجرد “دكان انتخابي” لتوزيع التزكيات على المقربين و”الأعيان”، بحثا عن المقاعد في البرلمان والمناصب الوزارية. وقد أصبح الحزب يعيش أزمة عميقة ليس فقط على المستوى السياسي، بل حتى على المستوى الأخلاقي كذلك،وهو ما جعل مواطنون كثر وخاصة منهم أولئك المتعاطفون مع رمز “الوردة”، يتساءلون بمرارة كيف لحزب أصبح بلا ديمقراطية داخلية، الدفاع عنها خارجه وفي باقي المؤسسات؟
عموما، نحن لا ننكر أن ادريس لشكر استطاع من خلال الممارسة السياسية التي تمتد إلى السبعينات، اكتساب عدة “مهارات” ومن بينها إتقان “فن المناورة” داخل الحزب وخارجه، وامتلاك قدرة هائلة على ضبط هياكل الحزب وتنظيماته المختلفة، غير أن ما يثير الاستغراب هو أنه أصبح مثله مثل بعضأمناء الأحزاب الذين يختلف معهم في كل شيء، عدا في قول الشيء والإتيان بنقيضه. وإلا، كيف لمن يدعو إلى تجديد النخب والدفع بالطاقات الشابة نحو تحمل مسؤولية التدبير، أن يرشح نفسه لولاية رابعة رغم تجاوز سن السبعين من عمره؟ وهل أصبح حبه للمناصب والمكاسب أهم من الحفاظ على نضارة وردة الاتحاد؟
اسماعيل الحلوتي
 
	    	 
		    





























