عبد اللطيف مجدوب
أفق دولي حالك
يجمع خبراء التغذية ؛ وبتزامن مع الحرب الروسية الأوكرانية ؛ أن الموارد الغذائية والأمن الغذائي بدأت مؤشراته في الانحدار بشكل كلي ، وقد تصل إلى مستويات الجوع والفقر الغذائي في الأشهر القليلة القادمة.
وإذا خضنا في محاولة استشراف مآلات هذا النزاع المسلح فسنواجه سيناريوهات حالكة لا تقل خطورة عن أية جائحة أخرى، فجائحة الجوع ؛ من المحتمل أن تقوض بنية العلاقات الدولية ، وتحدث فجوات عميقة في الجغرافية البشرية ، وأنظمة المجتمعات الحالية ، ويغدو شغل الإنسان أمنه الغذائي على رأس أولوياته.
وهناك أسئلة استراتيجية ؛ يتمترس خلفها العديد من المحللين وخبراء الاقتصاد خاصة ؛ يضعونها تباعا:
- الوسائل الممكنة لإيقاف النزاع المسلح
- ماذا يعني إصرار أمريكا وحلفائها على دعم أوكرانيا بالسلاح ؟
- الممرات الإنسانية والطاقية والغذائية في البلدات التي طالها القصف ؛
- تقلص الموارد وارتفاع فاتورة العيش
- ماذا يعني خلو الأسواق من الموارد والمنتجات الغذائية والطاقية ( أجواء حرب) ؛
- الجوع ليس له قيم ولا فرامل ، فقد يصبح وحشا كاسرا وهمجيا بلا حدود.
تكهنات لصيقة بالحرب
إصرار الروس على توغلهم داخل الأراضي الأوكرانية ؛ من جهة ، وإمعان أمريكا في دعمها المسلح لأوكرانيا من جهة أخرى ، لا يترك بارقة أمل لمبادرات ووساطات التهدئة ، سيما في ظل الآلة الإعلامية الرهيبة التي تستعملها أمريكا وحلفاؤها ، والتي تصور روسيا خطرا نوويا قادرا على أن يبتلع أوروبا برمتها ، إذا لم يتم مقاومته بأحدث الأسلحة ، ولو بالوكالة ، وكأن لسان حالها يقول ” لنصبر على نقص الموارد إلى درجة الجوع ، بدلا من استسلامنا ورضوخنا لشروط روسيا ” ، ويدعم هذا الاتجاه ؛ في استمرار المقاومة ؛ نظرية استنزاف اقتصاد روسيا ومعداتها العسكرية ، بيد أن هذه الأخيرة ومن جانبها تحاول أن توسع رقعة حربها لتشمل مواد الغاز والحبوب والسماد ، وارتهان حبوب أوكرانيا لتجعل منها ورقة ضغط استراتيجية في وجه حلفاء أمريكا ، ما يعني ؛ ومن المنظور الدولي الشمولي ؛ توجيه ضربة مدمرة للاقتصاد العالمي ، حيث ستتوقف المعامل وآلياتها ويعمها الخراب.
فيما يخص الوسائل الممكنة لوقف الحرب ، فهناك ترجيح لفرضية المؤامرة ومحاولة تكسير شوكة روسيا من الداخل ، بشن حروب سيبيرانية كاسحة وإحداث انفجارات خاطفة ، والتمكن من توجيه الرأي العام الروسي.. ويبدو افتراضا منوطا بعامل الزمن الذي قد يطول إلى أكثر من سنتين.
أما الممرات الإنسانية والغذائية ، فلن تتخلى عنها روسيا كورقة ضغط ، قد تسمح بها لوقت معلوم وتحت راية الأمم المتحدة ، لكن استمرارها غير مضمون، وإلا لجأت إلى التفاوض بشأنه ، مقابل شروط معينة، كرفع الحصار عن تصدير حبوبها أولاً.
وبالعودة إلى عامل تقلص الموارد وارتفاع تكلفة العيش، فالعالم حالياً يشهد دخوله عتبة الفقر وندرة الموارد الطاقية والغذائية، بما فيها شح في عنصر الأسمدة التي تعتبر روسيا وأكرانيا في مقدمة الدول المصدرة لها، كما يجب ألا نغفل عن تداعيات تدني الموارد وندرتها، فقد يعقبها تفشي الأوبئة والكوارث الطبيعية، وارتفاع نسبة المجاعة إلى مستويات قياسية، فضلاً عن انمحاء الاستقرار الأمني بالكاد ، وداخل التجمعات السكانية الكبرى خاصة ، هذه المشاهد الدراماتيكية تعيد إلى الأذهان صور المآسي الفظيعة التي اسفرت عنها الحرب العالمية، سواء في نسختها الأولى أو الثانية .
الرأسمالية ونضوب مواردها
هناك أسئلة حارقة، كلما طرحت حول مآل الأسواق والشركات الدولية العابرة للقارات ؛ وفي ظل المجهول الذي يكتنف النزاع الروسي الأمريكي؛ كلما تأكد تقلص أدوارها، وتأرجحها بين الفقر والإفلاس والركود.. حينها لن يكون للعملة اعتبار ولا وزن مطلق ، في موازاتها مع السلع والموارد الاقتصادية ، ويعني هذا؛ في المحصلة وبنظرة توافقية بين المتشائمة والمتفائلة ؛ أن العالم يشهد ميلاد طفرة بشرية جديدة بآليات وأدوات بدائية، ويضحى الزمن السيكولوجي خلالها عشرة أضعاف من الزمن الحالي، فإذا كان إنسان اليوم يشيد عمارة بعشرة طوابق في سبعة أشهر مثلا، فلن يتمكن إنسان الغد ، وفي ظل اندحار الرأسمالية ؛ بناءها في أقل من من عشر سنوات !