*خالد البوهالي
من أشهر العبارات التي خلدها القائد العسكري البروسي الشهير كارل فون كلاوزيفيتس في كتابه المعروف”on war” “أن الحرب امتداد للسياسة وإن بوسائل أخرى”، التي يستفاد منها، أن الحرب عمل سياسي يتسم بالعنف تلجأ لها الدول كخيار أخير، بعد استنفاذ السبل الديبلوماسية لتحقيق مصالحها العليا داخل بيئتها الإقليمية والدولية.
ولهذا الغرض، ترسم الدول استراتيجياتها، استنادا إلى إمكانياتها ومواردها من أجل تحقيق المكاسب السياسية المنشودة، وحسب درجة قوة الخصم، غير أنه في حالة فشل هذه الاستراتيجيات تكون القيادات السياسية أمام خيارين إما تغيير الاستراتيجية أو الدخول في مفاوضات مع الخصم للوصول إلى حل مرضي أو إلى توافقات تفضي إلى تقليل الكلفة السياسية والعسكرية، قياسا إلى الواقع الذي يفرضه الميدان العسكري.
ولعل في الحرب الروسية الأوكرانية خير مثال، عندما أعد الغرب العدة للدخول في مواجهة عسكرية غير مباشرة مع روسيا، كان الاقتناع السائد لدى جل الساسة الغربيين أن الوسائل المختلفة التي بأيديهم كفيلة بتحقيق الحلم القديم المتمثل بإلحاق الهزيمة الاستراتيجية بموسكو، لكن ثبت بالواقع الملموس فشل هذه الأدوات التي أحبطتها بكل جدارة القيادة الروسية التي نوردها على الشكل التالي:
أولا: فشلت العقوبات الغربية القصوى التي فرضت على روسيا بعد أن نجحت الأخيرة في الالتفاف عليها، عبر تنويع شركائها في العديد من دول العالم، بل وحققت نموا في الناتج المحلي الإجمالي تجاوز 4 % رغم العقوبات الغربية. بحسب آخر تصريح لرئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستي.
ثانيا: الخسائر المالية الكبيرة التي تكبدتها الولايات المتحدة الأمريكية جراء الحرب على روسيا الذي بلغ حوالي 140 مليار دولار وحوالي 1.2 تريليون دولار بالنسبة للاتحاد الأوروبي بسبب الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا في حربها مع روسيا وفق آخر التقارير الغربية الصادرة، ما كان له انعكاسات اقتصادية على الدول الغربية تمثلت في ارتفاع معدلات التضخم التي أثرت على المواطن الغربي.
ثالثا: التعويل على إلحاق هزيمة عسكرية ساحقة بالقوات المسلحة الروسية في أوكرانيا أصبح منعدما إن لم يكن مستحيلا، خصوصا مع توالي الانتصارات التي باتت يحققها الجيش الروسي في الميدان عبر السيطرة على مزيد من المدن والبلدان في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، في مقابل انهيار شبه كلي للجيش الأوكراني الذي يعاني من الإرهاق وقلة المعدات العسكرية، وسط حديث عن هروب العديد من الجنود من ساحة المعركة، ما يطرح السؤال عن مصير المساعدات العسكرية الغربية المقدمة لكييف.
ومع عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الى الحكم في البيت الأبيض، تبدو الأمور أكثر تعقيدا سيما وقد سبق له أن وعد خلال حملته الانتخابية بوقف المساعدات المقدمة لنظام كييف، بل ووصف آنذاك في “بودكاست” سابق مع اليوتوبر باتريك ديفيد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي “بأنه أعظم مندوب مبيعات كل ما جاء الى واشنطن يحصل على منحة 100 مليار دولار” مشددا على أنه سيعمل على وقف الحرب قبل يوم التنصيب في 20 يناير/كانون الثاني من السنة القادمة.
ورغم ذلك، يرى بعض المحللين أن ترامب لن يستطيع إيقاف الحرب في أوكرانيا لأن قرار السياسة الخارجية ليست كلها في يده، بل يشاركه فيه جهات أخرى مثل جماعات الضغط ولوبيات السلاح، حتى على فرض صحة ذلك، فإن استمرار الدعم الأمريكي والغربي لأوكرانيا فإنه لن يحدث عمليا أثره في الميدان، بالنظر إلى الواقع العسكري الذي باتت تفرضه موسكو في ساحة الحرب ما مكنها من تعزيز موقعها التفاوضي بشكل أقوى، بدليل التصريحات الأخيرة التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي حدد فيها شروط بلاده لوقف الحرب، التي اعتبرها العديد من المراقبين سقوفا أعلى يعكس التفوق العسكري الميداني الساحق للقوة الروسية.
ختاما، لم يتبق أمام الغرب من خيار آخر سوى الاعتراف بواقع الهزيمة والجنوح إلى الحوار مع موسكو بعد استنفاد كل أوراق الضغط التي لعبها معها، أما السير في طريق الحرب لن يفضي إلى نتيجة، ويبقى السؤال الأهم متى يعترف الغرب بخسارته أمام روسيا؟، الأيام القادم تجيبنا على ذلك.
*باحث في القضايا الدولية