اسماعيل الحلوتي
لم يعد يخفى على أي أحد اليوم ليس فقط في أوساط رجال السياسة والاقتصاد، بل حتى بين الموظفين والعاملين في القطاع الحر وغيرهم، أن كل بلدان العالم تعمل على تنويع مصادر تمويل مشاريعها التنموية بالاعتماد على الضرائب، باعتبارها أحد أهم الموارد المالية التي تقوم عليها التزامات الدولة. لذلك تضطر إلى إخضاعها لنظام دقيق، لتحصينها من كل محاولات الغش والتهرب التي قد تحرمها من مداخيل هامة، ويؤدي إلى إخلالات في الإنفاق العام وعجز الميزانية، مما يصعب معه أداء واجباتها الأساسية تجاه مواطنيها، واللجوء القسري إلى وسائل تمويل أخرى كالإصدار النقدي والاقتراض.
فما هو مفهوم الضريبة؟ يعرف معجم كامبريدج الضريبة بأنها “مبلغ مالي يتم دفعه للدولة، وفقا للدخل الخاص بالفرد، أو تكلفة السلع، أو الخدمات التي يشتريها”. وعليه، فإن الضريبة هي ما تتقاضاه الدولة من الأشخاص والمؤسسات بناء على نسبة مائوية لتمويل نفقاتها، أي تمويل كل القطاعات التي تصرف عليها كالجيش والشرطة والتعليم وقطاعات أخرى أو لدعم بعض السلع أو الصرف على البنية التحتية مثل بناء الطرقات والسدود. وهناك عدة أنواع من الضرائب،كالضريبة على القيمة المضافة، وهي إحدى الضرائب غير المباشرة التي يؤديها المستهلك عند شرائه بضاعة ما، أو طلب خدمة ما، وهناك أيضا الضريبة على الدخل وهي من الضرائب المباشرة التي يدفعها الأفراد على دخلهم الشهري، كما تدفعها الشركات على أرباحها.
ويفترض في السلطات العمومية التي تحرص على جمع الضرائب من الأفراد والشركات القيام بما يلزملتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال السهر على التوزيع العادل لهذه المداخيل في أشكال مختلفة للحد من الفجوة بين الأغنياء والفقراء، عبر تمويل الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والإسكان وتنفيذ برامج تحفيز الاقتصاد ودعم الفئات الهشة في المجتمع. ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلا في ظل التدبير الجيد وحسن إدارة الموارد وتنفيذ قوانين ولوائح صارمة، بما يساهم في استخدام الأموال المحصل عليها بشكل فعال وفق أهداف العدالة الاجتماعية وتعزيز النمو الاقتصادي…
فالتهرب الضريبي من الظواهر السلبية ذات الآثار الخطيرة على المجتمع، حيث تعد الضرائب في عصرنا الحاضر من بين أهم الوسائل السياسية المالية، التي تندرج في إطار السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة. لذلك تؤدي هذه المعضلة إلى نقص في المداخيل التي تعتمد عليها الدولة في تغطية نفقاتها العامة، وهو ما من شأنه الدفع بها نحو الاستدانة الخارجية أو الإصدار النقدي من أجل تجاوز عجز الميزانية العامة، مما يترتب عنه التضخم وارتفاع الأسعار، وبالتالي ضرب القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، أو القيام بفرض ضرائب جديدة أو الزيادة في أسعار الضرائب القائمة.
ولعل من بين أبرز الأسباب القانونية الكامنة خلف هذه المعضلة الشديدة الخطورة وجود عدد من الثغرات القانونية، التي تأتي على رأسها تلك الثغرات المتعلقة بالسجل الضريبي سواء الخاص بالأفراد والشركات المساهمة، الذي يتم التلاعب من خلاله لدى بعض رجال الأعمال في التملص من سداد ما بذمتهم من ضرائب، أو بالثغرات المرتبطة بالإعفاءات الضريبية والتحايل على القانون، عبر إخفاء حجم الأنشطة والأعمال الحقيقية الموجودة على أرض الواقع. فضلا عن مساهمة غموض النصوص القانونية المؤطرة للجبايات العمومية والمحلية في تنامي هذه الظاهرة، إذ تلجأ بعض الشركات إلى استغلال هذه الثغرات القانونية بهدف التهرب عبر المحاسبة وغيرها…
فمعضلة التهرب الضريبي من الظواهر الأكثر انتشارا في اقتصاديات الدول الحديثة التي تختلف من دولة لأخرى، حسب التشريعات والقوانين ودرجة الفساد وتوغله داخل المؤسسات، حيث يتم اللجوء بطرق ملتوية إلى التحايل على القوانين المنظمة لمجال دفع الضرائب، وتواطؤ عدد من المنتخبين والمسؤولين الفاسدين الذين يجتهدون في اتجاه البحث عن ثغرات في القانون للتشجيع على الظاهرة مقابل الحصول على عمولات مغرية ورشاوي تتناسب وحجم المبالغ المالية المراد التملص من أدائها لصالح الخزينة العامة، مما يؤثر سلبا على مداخيلها، ومن ثم على أنشطتها ووظائفها المتعددة…
والمغرب كغيره من البلدان إن لم يكن أكثرها معاناة من معضلة التهرب الضريبي والغش في التصريحات المالية والتلاعب في أرقام الأرباح والمعاملات المالية السوداء، مما يعرض خزينة الدولة إلى خسارة ملايير الدراهم، وبالتالي تفويت فرص التنمية عليه والحيلولة دون القدرة على تمويل البرامج الاجتماعية، والاضطرار إلى الاستدانة، ناهيك عما يترتب عن ذلك من تراكم الديون وفوائدها والتأثير على الاقتصاد الوطني، خاصة أن الضرائب تعد من بين أهم الروافد الأساسية في الميزانية العامة.
إن المغرب ملزم اليوم بالانكباب الجاد على معالجة هذه المعضلة الخطيرة “التهرب الضريبي”، إذ يكفي للقيام بذلك أن تتوفر الإرادة السياسية القوية لدى مدبري الشأن العام، إعادة هيكلة القطاعات وضبط المعاملات المالية، باعتماد الرقمنة وبناء اقتصاد حديث بأرقام واضحة، لاسيما أننا نتوفر على ما نحن بحاجة إليه من الكفاءات والطاقات الشابة القادرة على التصدي لهذا النزيف، الذي يكلف بلادنا خسارة فادحة ويفوت على الخزينة العامة مداخيل هائلة.