بما أن فترة الولاية التشريعية توشك على الانقضاء، ساد الاعتقاد كذلك بنهاية الخرجات الاستفزازية لوزير العدل والأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، عبد اللطيف وهبي المثير للجدل، ولاسيما بعد أن أعلن مؤخرا من داخل مجلس النواب عن انكباب الحكومة على إجراء مراجعة عامة للإطار القانوني المتعلق بحمل الأسلحة البيضاء واستعمالها، إلى جانب تشديد العقوبات المنصوص عليها في الفصل 303 مكرر، بما يتلاءم مع خطورة هذا النوع من الجرائم، سعيا إلى حماية المواطنين والحفاظ على سلامتهم من أي اعتداء ممكن.
فخلال جلسة الأسئلة الشفوية التي انعقدت يوم الثلاثاء 6 ماي بمجلس المستشارين، كشف خلال ردوده عن أسئلة المستشارين عن انتهاء وزارته من صياغة نص القانون الجنائي الجديد، مؤكدا أنه مازال إلى حد الآن يبصم على نقاش داخلي حاد، دام زهاء سنتين ومر بمراحل متعددة، لكنه لم يحسم بعد. ثم أضاف بأنه يتعين أن يمتح النص من تصوراته الشخصية ورأي الحكومة ووفق برامجها، وإلا فمن الأفضل ألا يصدر. متمنيا صدور مدونة جنائية جديدة، تكون في مستوى ما يزخر به المجتمع من إشكاليات تتطلب التعاطي معها، مثل قضايا وسائل التواصل الاجتماعي، الهجوم على الحياة الخاصة، الذكاء الاصطناعي وغيره من التحولات المجتمعية.
بيد أن ما يهمنا هنا من بين ما كشف عنه وزير العدل وهبي، هو ما ورد في معرض جوابه على سؤال بخصوص الأطفال في وضعية تماس مع القانون، حيث أكد أن هناك متابعة مباشرة من قبل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وقال بأن المشكل بالنسبة له يكمن في رعاية الأسرة. حيث تم طرح إشكالات تتعلق بمسؤولية الأسرة عن القاصر، خاصة في حال ارتكابه فعلا مخالفا للقانون، كاستعمال آلة حادة في الشارع. وأضاف بأن لدى الحكومة نية واضحة في إمكانية تحميل الآباء والأمهات مسؤولية جنائية عن تصرفات أبنائهم القاصرين.
والأسوأ من ذلك أنه لم يكتف بتحميل الآباء والأمهات وحدهم المسؤولية الجنائية عن تصرفات أبنائهم القاصرين، بل زاد قائلا بأن التفكير منصب على تحميل المسؤولية أيضا للمدرسين والمعلمين، إذا ارتكب التلميذ فعلا جرميا خارج مؤسسته التعليمية، وخلص إلى القول بأن المطلوب الآن هو صياغة قانون جنائي يضمن المساءلة القانونية لأولياء التلاميذ، مع إجراءات جنائية وغرامات لإعادة خلق مسؤولية الآباء عن أبنائهم من جديد” ونعم اجتهاد الأستاذ الجليل الذي لا يشق له غبار في إعداد مشاريع النصوص التنظيمية المتعلقة بمنظومة العدالة، والإسهام في وضع التوجهات والمضامين العامة للسياسة الجنائية !.
وهو الاجتهاد الذي لم نجد له من مثل ينطبق عليه سوى ذلك القائل: “طاحت الصمعة علقو الحجام”، والذي طالما لجأ إليه المغاربة للاستعانة به كلما ضاقت بهم السبل وأرادوا التعليق على أي حكم جائر يتخذ في حق شخص مظلوم، بدل معاقبة الجاني الحقيقي، وإلا ما معنى أن نؤاخذ الآباء والأمهات والأساتذة بجريرة أطفال قاصرين، يتأثرون بما يعج به الفضاء الأزرق والشارع المغربي من مظاهر الانحراف وتناسل الجرائم بالسلاح الأبيض، في غياب الاهتمام الواجب بالأسرة وضعف مستوى المناهج التعليمية المتجاوزة وانعدام البرامج التربوية الهادفة وذات الجودة الرفيعة في القنوات التلفزيونية الوطنية؟.
من هنا كان من البديهي أن يعم الاستياء الكثير من الأسر وتنتفض الشغيلة التعليمية بشكل خاص جراء تصريحات وزير العدل المستفزة، التي أثارت موجة عارمة من ردود الفعل الغاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي، مستنكرة تحميل مسؤولية تصرفات التلاميذ خارج أسوار المؤسسات التعليمية. حيث رأى عدد من الفاعلين التربويين في إمكانية تحميل الآباء والأساتذة المسؤولية الجنائية عن الأفعال الإجرامية التي يمكن أن ترتكب من قبل الأطفال القاصرين، نوعا من العبث القانوني غير المسبوق. رافضين بقوة أن يدفعوا ثمن فاتورة سياسات عمومية فاشلة، لم يشاركوا أبدا في وضعها. إذ كيف يعقل والحالة هذه تجريم الأستاذ عن أفعال تجري بعيدة عنه في الشارع وخارج نطاق مهامه التعليمية والمس بكرامته في تناف صارخ مع الواقع المهني؟.
فما يحز في النفس هو تنامي الشعور بالإحباط وخيبة الأمل لدى نساء ورجال التعليم في الكثير من القضايا التي تشغل بالهم، حيث أن عديد القرارات ومشاريع القوانين غالبا ما تأتي دون مستوى انتظاراتهم، ومنها مشروع القانون الجنائي الجديد، الذي انتظر الأساتذة أن يأتي بفصول تحميهم من ظاهرة العنف داخل مؤسسات التعليم، كما تشهد بذلك الفيديوهات التي يتم تداولها من حين لآخر على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، بدل أن يحملهم مسؤولية ما يجري في الشارع، الذي هو من اختصاص رجال الأمن وليس رجال التعليم…
إن تصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي، التي كشف من خلالها عن نية الحكومة في تحميل مسؤولية جنوح القاصرين للآباء والأساتذة، بدعوى أن الخلل يكمن في الرعاية الأسرية والتأطير التربوي، ليست إلا دليلا آخر على محاولة التملص من المسؤولية الحقيقية للدولة ومؤسساتها في مواجهة المشاكل الكبرى، ومنها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والهدر المدرسي، التفكك الأسري وانتشار المخدرات حتى في المحيط المدرسي. إذ لا يمكن معالجة ظاهرة الأطفال في وضعية تماس مع القانون في غياب الإرادة السياسية، ودون النهوض بأوضاع المواطنين وتحسين ظروف عيشهم، فضلا عن ضرورة مراجعة المناهج والبرامج الدراسية وتوفير الحماية القانونية والمادية للأطر التربوية.
اسماعيل الحلوتي