اعتبر مراقبون أن جنازة أحمد الزفزافي، والد قائد الحراك الشعبي بالريف، يوم 4 شتنبر 2025، تحولت إلى حدث سياسي بامتياز. فالحشود التي حضرت بالآلاف جسدت فعلًا جماعيًا خارج الأطر الرسمية، حيث غاب “البروتوكول” وحضرت التعبئة الشعبية. هذا المشهد أبرز أن رمزية الحراك لم تخفت رغم مرور السنوات، وأن الذاكرة الجماعية في المنطقة ما تزال تحتفظ بقدرة كبيرة على فرض حضورها في الفضاء العام.
وأشار متتبعون إلى أن تنوع الحضور من فاعلين سياسيين وحقوقيين وثقافيين منح الجنازة بعدًا رمزيًا عميقًا. فبينما بدت لحظة إنسانية خالصة في ظاهرها، حملت في عمقها دلالة على إمكانية التقاء تيارات متباينة حول قضية مشتركة. هذا التعدد اعتُبر رسالة سياسية قوية، تعكس استمرار قدرة الحراك على توحيد تعبيرات مختلفة، وتُظهر أن أثره لم ينحصر في الماضي، بل ما يزال قائمًا في الحاضر.
وسجل مراقبون الغياب البارز للنخب المحلية التقليدية، سواء الإصلاحية أو الراديكالية، المعارضة أو الموالية، المدنية أوالحزبية، معتبرين أن ذلك يعكس أزمة تمثيلية عميقة. هذه النخب فقدت دورها في التأطير والتعبئة، فيما برزت تعبيرات جديدة مرتبطة بالفعل الاجتماعي والاحتجاجي. هذا التحول، وفقًا للمتتبعين، يؤشر إلى انتقال مركز الثقل من الفاعلين الكلاسيكيين نحو قوى ناشئة أكثر قربًا من الشارع، وهو ما يمنح الجنازة دلالة سياسية تتجاوز بعدها الجنائزي المباشر.
ولفت مهتمون إلى أن ترديد شعارات مطالبة بإطلاق سراح المعتقلين أعاد ملف الحراك إلى الواجهة بقوة. فالمشهد لم يقتصر على وداع شخصية اعتبارية، بل تحوّل إلى مساحة لإحياء النقاش السياسي حول العلاقة بين الدولة والمجتمع المحلي. هذا الحضور العفوي للمطالب أظهر أن القضايا الجوهرية المرتبطة بالحراك ما تزال حاضرة في وجدان الساكنة، وأن الجنازة وفّرت لحظة جماعية لتجديد التعبير عنها.
أما الدولة، فقد اعتبر متتبعون أن حضورها كان مركبًا ومتعدد الأبعاد. فالسماح لناصر الزفزافي بحضور جنازة والده بدا إجراءً إداريًا عاديًا، لكنه حمل رمزية سياسية واضحة. ظهوره وسط الحشود، محاطًا بحراسة مشددة، أتاح قراءة مزدوجة: من جهة تجسيد الانضباط الأمني، ومن جهة أخرى إشارة إلى اعتراف ضمني بمكانته الرمزية. هذا التوازن جعل حضور الدولة جزءًا أساسيًا من قراءة الحدث.
وذهب مختصون في التواصل السياسي إلى أن الصورة البصرية لناصر الزفزافي وسط آلاف المشيعين شكّلت خطابًا قائمًا بذاته. فالحراسة الأمنية المحيطة به صُورت كحماية لشخصية مؤثرة، وهو ما أظهر قدرة الدولة على ضبط المجال مع إبراز رمزية الفرد في الوقت نفسه. هذا المشهد اعتُبر لغة بصرية دقيقة، تترجم تفاعل الدولة مع الحدث بمزيج من السيطرة والانفتاح، وتكشف عن رسائل موجهة للجماهير والفاعلين معًا.
وبحسب مراقبين، كشفت الجنازة في مجملها عن نهاية دور النخب المحلية التقليدية وصعود قوى اجتماعية جديدة تفرض حضورها بالعمل الميداني المباشر. هذا التحول يرمز إلى قدرة المجتمع على إنتاج فعل سياسي خارج الأطر القديمة، ويوجه في الوقت نفسه رسالة إلى الدولة حول محدودية الرهان على النخب السابقة. ومع ذلك، يبقى السؤال معلقًا: هل ستترجم هذه الرمزية إلى فعل منظم، أم ستظل محصورة في لغة الاحتجاج؟