أعادت تسريبات لوثائق داخلية الجدل حول وكالة التنمية الاجتماعية، بعدما كشفت عن طلب إعفاء من مهام المنسق الجهوي بالنيابة تقدم به المسؤول الإقليمي بالحسيمة، مبررًا ذلك بغياب الكفاءة المهنية، المراسلة التي خرجت إلى العلن وتحمل اعترافا غير مسبوق أعادت إلى الواجهة فتح النقاش حول معايير التعيين واستمرار مسؤول في منصب حساس منذ سنة 2017 رغم إخفاق مشاريع اجتماعية وتنموية كبرى بالإقليم.
أثارت وثائق مسربة من الإدارة المركزية للوكالة جدلًا واسعًا بعدما كشفت عن طلب رسمي قدمه المسؤول الإقليمي بالحسيمة لإعفائه من مهامه كمنسق جهوي بالنيابة، مبررًا ذلك بغياب الكفاءة وعدم توفره على الشروط المهنية، المراسلة التي تحمل اعترافًا غير مسبوق أعادت إلى الواجهة تساؤلات حول معايير التعيين داخل الوكالة، خصوصًا أن المعني ظل يشغل منصب المسؤول الإقليمي منذ سنة 2017، في وقت سجل فيه الإقليم تعثرًا في مشاريع تنموية واجتماعية كبرى تحظى برعاية ملكية خاصة.
ردود الفعل على هذه المراسلة كانت قوية ومتعددة الاتجاهات، إذ عبرت فعاليات نقابية وبرلمانية وسياسية عن استغرابها من استمرار هذا الوضع لثماني سنوات كاملة، وأكدت أن ما جرى يكشف عن تراكمات في التدبير الإداري والمالي سبق أن نبهت إليها تقارير رسمية، كما وجهت أصابع الاتهام إلى وزارة التضامن التي لم تحسم في هذه الاختلالات معتبرة أن صمتها يضعف الثقة في الإصلاحات المعلنة ويجعل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة مجرد شعار بلا مضمون فعلي.
اللجان الرقابية بدورها لم تكن غائبة عن هذا الملف، فقد أصدرت لجنة الافتحاص في يوليوز 2019 تقريرًا وصِف بالكارثي حول وضعية ملحقة الحسيمة، دون أن تترتب عنه أية إجراءات عملية، وبعد أربع سنوات، أي في مارس 2023، سجلت لجنة ثانية اختلالات جسيمة في منسقية طنجة، ما دفع المديرة السابقة للوكالة إلى مطالبة المسؤول الجهوي بتقديم استقالة بدل اتخاذ قرار إعفاء مباشر، هذه الخطوة أثارت احتجاجًا واسعًا داخل المؤسسة واعتبرتها النقابات أسلوبًا للالتفاف على مبدأ المحاسبة.
وفي خضم هذه التطورات، جرى تكليف مسؤول الحسيمة بتولي منصب المنسق الجهوي بالنيابة، لكنه رفض رسميًا قبول المهمة في مراسلة خطية، مؤكدًا عدم أهليته المهنية. المفارقة أن هذه الأهلية نفسها لم تمنع تعيينه سابقًا على رأس الملحقة الإقليمية منذ 2017، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الأسس التي تبنى عليها قرارات التعيين داخل الوكالة، وحول غياب آليات صارمة وجدية لتقييم أداء المسؤولين.
مصادر مطلعة من الإدارة المركزية كشفت أن لجنة تفتيش وزارية زارت الحسيمة في يوليو الماضي، غير أن تقريرها ظل عالقًا وسط ضغوط قوية من أطراف نافذة داخل الوزارة والوكالة، إلى جانب نقابيين لهم تأثير كبير على مسار القرارات. هذه الضغوط تهدف، بحسب نفس المصادر، إلى إقبار ملف مسؤول الحسيمة وملفات أخرى أكثر خطورة وضمان إفلات المعنيين من أي مساءلة قانونية أو إدارية، وهو ما اعتبره متتبعون دليلًا إضافيًا على تغول شبكة مصالح تعرقل الإصلاح داخل الوكالة التي تعيش على وقع أزمة تدبيرية حقيقية.
ويرى مراقبون أن ما يحدث يتجاوز حدود الحسيمة ليكشف عن أزمة عميقة في بنية الوكالة ككل، حيث تتقاطع الحسابات النقابية والعلاقات الشخصية مع التعيينات الإدارية، بما يفرغ مبدأ الاستقلالية من محتواه، كما يشيرون إلى أن تردد الوزارة في مواجهة هذه الملفات قد يحولها إلى قضية وطنية، ويضع الحكومة أمام اختبار حقيقي حول مدى جديتها في محاربة الفساد داخل قطاع اجتماعي يُفترض أن يكون نموذجًا للنزاهة والشفافية حتى يتسنى له الاضطلاع بدوره في خدمة الفئات الهشة.