قراءة في مشروعي القانونيين لتعديل قانون 16.03
المتعلق بخطة العدالة المقترحين من طرف وزارة العدل والحريات
والهيئة الوطنية لعدول المغرب
ان الفلسفة التوثيقية التي يعتمد عليها المشرع المغربي ، ترتكز على منظومتين أولهما استعمارية أتى بها المستعمر الفرنسي من أجل أن يؤثث مشروعه الاستعماري ويغير معالم المجتمع المغربي ومحو هويته الاجتماعية والثقافية والتاريخية والاقتصادية والقانونية .
وثانيهما أصيلة تعد من أعرق المهن القضائية التي عرفها المغرب ، وكان الفقه الاسلامي هو المصدر الأساسي في صياغة القواعد التوثيقية . ولعبت دورا رياديا في تحريض الشعب المغربي على الانتفاضة في وجه الاستعمار ، حيث كان السادة العدول يختمون عقودهم( الزواج والأشرية ….) بالدعوة السيئة له وحث الشعب المغربي على المقاومة وتحرير أرضه .
وبعد ذلك جاءت عدة ظهائر حاولت تنظيمها وتطويرها منها ظهير 7 يوليوز سنة 1914 والظهير 23 يونيو سنة 1938 وظهير 7 فبراير سنة 1944 . وبعدها قانون 11.81 بتنفيذ الظهير 11.81.332 بتاريخ 6/5/1982 وغير بقانون 16.03 بتاريخ 14/02/2006 .
وبعد مرور ما يقارب عشر سنوات على هذا القانون طرح من جديد مشروعان أحدهما للهيئة الوطنية للعدول ، وثانيهما لوزارة العدل والحريات ، لسد الثغرات والفراغات القانونية والتنظيمية التي تشوبه ، ومجانسته مع روح الدستور ومع بعض الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الانسان التي صادق عليها المغرب .
وبادر السادة العدول على الصعيد المحلي والوطني بمختلف تنظيماتهم يطالبون ويلحون أكثر من أي وقت مضى بتغيير قانون 16.03 وجعله مواكبا للتطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعرفها المغرب .
وأخيرا أوتى بمشروعين بعيدين كل البعد عن طموحات وانتظارات السادة العدول ، ومن خلال قراءتي لهما تولدت لدي مجموعة من التساؤلات التي من الضروري طرحها ربما قد تغنى نقاشهما.
لأن المشروعين جيء بهما في وقت حساس تزامن مع الزمن السياسي الذي يحاول البعض التسابق معه لكي يحطم الرقم القياسي في عدد المشاريع القانونية المقترحة او المنجزة للتباهي به مع الفرقاء السياسين في قبة البرلمان أو من خلال وسائل الاعلام .
وعلى الهيئة الوطنية للعدول ان تسحب مشروعها القانوني وفتح عليه نقاش موسع على الصعيد المكاتب الجهوية والوطنية وتنظيم ندوات لمناقشته واغنائه حتى يتسنى لجميع تمثيليات السادة العدول أن تدلو بدلوها فيه وتقديم مقترحات حوله ومن ثم عرضه على الجمعية العامة لمناقشات والمصادقة عليه حتى يكون مشروعا متكاملا قابلا للنضال عليه ومطالبة وزارة العدل والحريات باخراجه الى حيز الواقع .
ومن بين الاسئلة التي أود أن أساهم بها في نقاش المشروعين منها :
– هل كل السادة العدول في مستوى مطالبة بتغير قانون 16.03؟
– هل المشروعان يتوفران على منهجية تنظيمية وقانونية ؟
– ماهي أوجه الاتفاق والاختلاف بين المشروعين ؟
– ماهي الخلاصات والمقترحات المقدمة من قبل صاحب المقال؟
من الصعب بمكان أن أجيب عن هذه الأسئلة أجوبة دقيقة ومفصلة لأن ذلك يتطلب الوقت الكافي حتى يتسنى لي قراءة كل مادة على انفراد، ومهمتي في هذا المقال هي ملامسة بـعــض النقط التي أود أن أعطي فيها رأيي وأعتبرها نقط خلافية بين المشروعين ، وانطلاقا كذلك من خلال ما ينشر في وسائل الاعلام وخاصة في الشبكة العنكبوتية حيث تبين لي أن بعض السادة العدول ما زالو خارجين عن الطغتية وبعيدين كل البعد عن انتظارات المجتمع المغربي وطموحات زملائهم في المهنة ، حيث يتشبثون بقاضي التوثيق كمؤسسة تحجيرية على عقود السادة العدول مما يعطل مسطرة انجاز عملهم وتأخيرمصلحة المواطنين بصفة عامة .
ومن الناحية الشكلية يتضح أن المشروعين تنعدم فيهما المنهجية التنظيمية والقانونية ، ويطغى عليهما الأسلوب اللغوي أكثر من دلالته القانونية ، كما تغيب عنهما مسألة التبويب وتكرار المواد كما أن أصحاب المشروعين متخوفون من نفاذ الأرقام قبل نفاذ المواد المقترحة في المشروع. أما من الناحية المقارنة الموضوعية فان المشروعين متفقان فيما بينهما بنسبة 95% وما يعنيني في هذه القراءة هي النقط الخلافية التي يمكن أن أجيزها فيما يلي :
-1) التسمية (أصحاب المهنة).
-2) مسألة التقادم والعقوبات
-3) عقود اللفيف
-4) مسألة ولوج المرأة الى مهنة التوثيق .
ان الاسم الذي تقترحه وزارة العدل والحريات في مشروعها هو ( الكتابة بالعدل ) ان السؤال الذي يطرح على أصحاب هذا المشروع هو من أين استمدوا هذه التسمية من المهن القضائية المعروفة على الصعيد الدولي المتعلقة بمهنة التوثيق ؟ والسؤال الثاني هل هناك نوعان من الكتابة ؟ كتابة عادلة وكتابة جائرة ؟ من خلال اطلاعي البسيط على المهن القضائية على الصعيد الدولي لم أجد هناك دولة تبخس مهنة التوثيق أكثر من المشرع المغربي من خلال مشروعها المقترح ، ولكن اذا رجعنا الى قانون المدني المغربي وخاصة الفصل 404 المتعلق بوسائل الاثبات فانه يعطي للحجة الكتابية المرتبة الثانية بعد الاقرار اما اذا رجعنا الى الجانب اللغوي فالكتابة هي مصدر من فعل كتب يكتب كتابة والكاتب اسم فاعل والعدل صفة مشبهة ومن ثم لا يوجد هناك نوعان من الكتابة عادلة وظالمة فصاحب الكتابة هو الذي يكون عادلا أو جائرا انسجاما مع قوله تعالى ( فليكتب بينكم كاتب بالعدل ) أما مسألة التقادم والعقوبات وعقود اللفيف فيمكن التوافق عليها عن طريق التفاوض والحوار المؤسس عن طريق الاقناع والاقتناع مع استحضار مصلحة التوثيق بصفة عامة ومصلحة السادة العدةول بصفة خاصة أما المسألة الخلافية بين المشروعين هي ولوج المرأة مهنة التوثيق والسؤال الذي يطرح نفسه على الرافضين لولوج المرأة لهذا الميدان كيف يمكنكم اقصاء نصف المجتمع أو أكثره من ممارسة حقه الدستوري والقانوني في ممارسة مهنة التوثيق ؟ بما أن المشرع المغربي مقتنع بمفهوم التشاركية في جميع المؤسسات الادارية والقضائية والتشريعية حيث نجد المرأة تتولى مسؤولية تسيير أعلى مرافق الادارية والقضائية ، والمحاكم المعربية حافلة من قاضيات تصدر أحكام بالطلاق والزواج وغيرها وتتولى رئاسة بعد المحاكم ونجدها في المجالس العلمية وامامة تخطب فوق المنابر وتقدم الدروس الرمضانية أمام أمير المؤمنين ومفتية في قضايا المجتمع فكان على أصحاب هذه العقلية الاقصائية ان يخرجوا سيوفهم الخشبية ويتطاحنون مع الطواحن الهوائية ، من أجل اقصائها من هذه المهمات التي تقوم بها المرأة المغربية داخل المؤسسات أو كان عليهم الرجوع الى كتب الحديث من أجل الغاء جميع الحاديث التي روتها عائشة رضي الله عنها عن الرسول (ص) لانها روتها امرأة وهم يعتبرونها ناقصة عقل ودين، ان هذا المنطق يكرس اشكالية التمييز وعدم المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات ، لأن الدولة المغربية عملت مؤخرا على انجاز العديد من الاصلاحات الخاصة بالمرأة “مــدونــة الأســرة” حيث ورثت أبناء البنت في جدهم وجدتهم بالوصية الواجبة ، وكذلك منح أبناء المرأة المـغـربـيـة المتزوجة بالأجنبي بحمل أولادها الجنسية المغربية ومن ثم اذا كان أصحاب هذه العقلية الاقصائية لم يستوعبوا هذه المتغيرات الوطنية والدولية ، في مجال حقوق الانسان فان من حق نساء المغربيات اللائي يرون انفسهن انهن مقصيات من ولوج مهنة التوثيق أن يتبعن مسطرة التقاضي الدولي ومراسلة الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد الدولة المغربية على اقصائهن من ولوج مهنة التوثيق العدلي بناء على البتروتوكول الاختياري الذي ينص على أن النساء اللواتي يتعرضن لانتهاك أو اقصاء لأي حق من الحقوق المحمية بموجب الاتفاقية الدولية بتقديم مطالبهن الى اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة .
وحتى لا اذهب بعيدا فانني أرى أن ولوج المرأة الى ميدان التوثيق العدلي ضرورة تاريخية ودستورية وحقوقية وعلى جميع القوى الحية بالبلاد ، السياسية والنقابية والحقوقية والنسائية تبني هذا المطلب والتصدي لكل فكر اقصائي وداعشي ، وهذه من بين الخلاصات التي أود أختم بها قراءتي بالاضافة الى المقترحات التالية :
1- التسمية : اما ان تسمى المهنة ( التوثيق العدلي ) وصاحب المهنة بالموثق العدلي كما تقترحها الهيئة الوطنية للعدول ولكن احسن تسمية اراها مناسبة هي : (الموثقون القضائيون ) نظرا أن العدول يعتبرهم القانون القديم مساعدي القضاء ويسمى صاحب المهنة بالموثق القضائي .
2- تحديد شروط ولوج مهنة التوثيق العدلي بخريجي كلية الحقوق تخصص القانون الخاص وكلية الشريعة .
3- توحيد الزي داخل مكاتب العمل أو أثناء التوجهات.
4- تنظيم دورات تكوينية مستمرة للسادة العدول على صعيد مكاتب الجهوية والوطنية .
5- يجب ان تكون الهيئة الوطنية للعدول عضو فاعل في اللجنة المشرفة على الامتحانات لولوج مهنة التوثيق القضائي.
6- ازالة ثنائية التلقي اسوة : بجميع المهن القضائية الاخرى ( المحاماة – الخبراء – المفوضين القضائين – التراجمة )
7- الغاء خطاب القاضي على جميع الوثائق التي يتلقى (العدل) حسب التسمية القديمة .
8- يجب أن يكون (الموثق القضائي) أن يتلقى جميع الشهادات والعقود على الصعيد الوطني .
9- اخراج مدونة التوثيق الى حيز الوجود من أجل توحيد ( التوثيق القضائي ) بدلا من تركه متشتت ومتنوع حسب المحاكم ورغبات قاضي التوثيق .
10- اخراج الضمان الاجتماعي للمهن القضائية الحرة الى حيز الوجود
11- فتح حساب خاص بالودائع بصندوق الايداع والتدبير لكل ( موثق قضائي)
وهذا ما أود أن أدلي به في هذا السياق لأني متأكد أن هناك مجموعة من السادة العدول لديهم الامكانيات الكافية لاغناء المشروعين واخراج قانون مهنة التوثيق يكون عصريا جامعا مانعا حداثيا يخدم مصلحة السادة العدول بصفة خاصة ومهنة التوثيق بشكل عام ويلبي حاجيات ومتطلبات المجتمع المغربي ويواكب التطورات التي يعرفها المغرب على كافة الأصعدة .
سعيد بخرو
عدل باستئنافية الحسيمة