منذ انطلاق الحراك الشعبي، وهو يجلد في الأحزاب السياسية، ناعتا إياها ب”الدكاكين السياسية”، فضلا عن إطلاقه لاتهامات بالجملة لقيادات هذه الأحزاب؛ فضلا عن نعوت، لا يسع المجال لذكرها، وكأن قيادات الحراك تستبق الزمن لقطع شعرة معاوية مع كل رجال السياسة المنتمين للأحزاب، وخاصة رؤساء الجماعات والمنتخبين عموما.
فخطابات ناصر الزفزافي، وجل النشطاء، منذ انطلاق الحراك تتضمن طلقات نحو صدور المنتخبين والأحزاب التي ينتمون إليها، ولا يكتفي بالتعميم، بل يستعرضم بالأسماء، مع سيل من السب والشتم والاتهام بالعجز والفساد والتخوين و…، رافضا أي لقاء أو حوار معهم، من أجل وضع الملف المطلبي للحراك بين أيديهم، ومناقشتهم حول موقفهم منه، ومدى دعمهم له، واضعا الجميع في سلة واحدة، وختم عليهم ب”الرفض المطلق”. بل يخون كل صاحب رأي مخالف، من النشطاء، ويتم إقصاؤه وتهميشه، ولا ثقة في من يشتم فيه رائحة الانتماء. وهذا موقف خاطئ، ويظهر المستوى المتواضع، ثقافيا وسياسيا، لنشطاء الحراك.
فتقديم “ملف مطلبي”، يتطلب توفر قدرات ترافعية ومهارات تفاوضية، في من يتقدم بالمطالب، بهدف حشد الحلفاء والدعم والمناصرة، وتحييد، على الأقل، بعض الخصوم والمعارضين، وذلك عبر الحوار واللقاءات المباشرة، ويتم التعرف على الحلول، الممكنة والمقترحة، للمشكل الذي كان وراء صياغة كل مطلب على حدة، بل يتم التعرف أكثر على المشكل نفسه والصعوبات التي تواجه معالجته من خلال التعرف على التجارب والاطلاع على معلومات قد تكون غائبة عن صاحب “الملف المطلبي”.
ما الذي كان سيضر الحراك الشعبي، وهو في عز قوته، المكتسبة من الصورة السلمية والحضارية والتنظيمية لكل المسيرات التي نظمت واستقطبت كل الفئات العمرية والمهنية، لو أفرز “لجنة” تتولى مهام الاتصال والحوار وربط العلاقة (داخل الوطن طبعا) مع كل من يمكن أن تستفيد منه في صياغة المطالب وتحقيقها؟
ما الذي سيفقده “الحراك”، إن بادرت تلك “اللجنة”، وتواصلت مع رؤساء الجماعات، كل واحد في ما يهمه، للتعرف على سبب هذا المشكل أو ذاك؟ ولمَ لا يجد طريقه إلى الحل؟ وما هي المجهودات التي تمت في سبيل ذلك؟ وما هي مقترحات الجماعة ومساهماتها؟
ما الذي سيخسره “الحراك”، لو تواصلت تلك “اللجنة” مع الأحزاب، قصد التعرف على مواقفها من الحراك عن قرب، ومناقشتها حول دورها في دعم المطالب، والتي هي في آخر المطاف، مطالب اجتماعية واقتصادية بسيطة ومشروعة تهم المنطقة ككل؟
ما الذي سيفقده “الحراك”، لو تواصلت تلك “اللجنة” مع البرلمانيين، لذات الأهداف ولأهداف أخرى ترتبط مع مهامهم ووظائفهم؟
ما الذي سيفقده “الحراك”، لو تواصلت تلك “اللجنة” مع الوزراء الأربعة، المنتمون للمنطقة، ولم لا مع الوزراء الآخرين، حسب طبيعة كل مطلب؟
لم يفشل الحراك في امتحان التواصل، ووضع الملف المطلبي على طاولة كل المسؤولين المعنيين، بهذا القدر أو ذاك، بل سجن نفسه في مواقف لن تخدمه، وستعرقل تحقيق المطالب التي يدعي الدفاع عنها لصالح الجماهير الشعبية. كرفضه الحوار مع المنتخبين، وقبول الحوار مع السلطة. متناسيا أن موقفا كهذا يضعف المنتخبين أمام السلطة ويضعف حتى الحراك أمام السلطة أيضا، بحيث يبقيه وحيدا أمامها.
والأصح، برأينا، هو التنسيق مع المنتخبين (على علاتهم) والوقوف كطرف واحد، هاجسه تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أمام سلطة هاجسها الأول الأمن والاستقرار. وهو، كذلك موقف ضد التطور الديمقراطي؛ فلا يستقيم الأمر أن نطالب بالديمقراطية، والحرية، وفصل السلط، والعدالة الاجتماعية، والكرامة… الخ، ونرفض التعامل مع ما تنتجه الديمقراطية نفسها ونفضل التعامل مع السلطة.
أكثر من ذلك، فإعلان قبول الحوار مع السلطة، هو أمر في غاية الغموض، حين يقال: الجماهير خرجت إلى الشارع، والمطالب أعلنت، وما على السلطة سوى الاستجابة بإصدار إعلان ببرمجتها في جدول زمني معقول لتحقيقها.
خلاصة القول، إن الإيجابيات التي تحققت منذ انطلاق الحراك الشعبي بالحسيمة، يوازيها، تنامي الغموض حول الأهداف الحقيقية الحراك وتراكم الأخطاء، المقصودة وغير المقصودة، وهي أمور تضعف الحراك وتنال من مصداقيته.
وأمام كل ما سبق لا نستغرب، توقيع رؤساء الجماعات على عريضة يرفضون المسار الذي اتخذه الحراك وتهجمهه المبالغ على المؤسسات.
نوفل البوستاني