إنــــجاز : ManonHoutart
ترجمة : محمد العربي هروشي
يتأسف فليب فيلان عن تخلي بعض الكتاب عن كل مثال شعري ،ضمن كتابه “شغف أورفيوس ” لصالح أولوية مطلقة للموضوع ،من المهم أثناء تصنيع الثقافة ،ألا يسمح الكتاب ،الناشرون و النقاد لقوانين السوق وحدها أن تحدد الأدب المعاصر.
س _ ما هي الظواهر التي ألهمتك لتوجه هذا النقد الحي لنزعات الأدب المعاصر ؟
ينبني هذا البحث على قناعة،بأن اليوم ممكن ، أكثر من أي مرحلة أخرى ضرورة التفكير في فنهم ،و ممارسته والانخراط في ذلك ضمن سياق تصنيع الثقافة .يحزنني عدم التزام بعض الكتاب المعاصرين خارج المجموعات ” Incult” أو “خط المخاطرة ” الذي وضعه يانيك هاينيل و الذي لا وجود له، نستطيع القول،وكي نستعمل لفظا أصبح تقليعة لنزيحه عن معناه الحالي ،بان هناك توافق بين كتاب معاصرين حول التسليع ،ونوع من الاستلاب في ممارستهم .
وإذا ،أهديت هذا البحث المبني على قناعة إلى الكتاب لحثهم على تحيين مناقشة حول الأدب . إن الكتاب اليوم ،مسيسون بما فيه الكتابة في مواطنتهم ،بيد أنهم لا ينافحون عن الأدب في مواجهة قوانين التسويق، و لا حتى عن تلك القوانين في مجتمعهم،يسيرو وراء السخط الدولي دون أن يسخطوا على أوضاعهم ذاتها ولا على التطور غير المنصف ضمن مشهد تم تقويمه وفقا لقناعات التسويق وليس على تواضع الإنتاج عامة .
يوجد ،طبعا ، كتاب يقاومون هذه النزوع ،إلا أنه بالنسبة للأغلبية فإن الأدب لم يعد يمثل لهم المثال، إنه فقط مسألة منفعة.
س _ غادر الأدب مرحلة الشك كي يدخل مرحلة اليقين كما قلتم موظفين عبارة ناتالي ساروت ،ما الذي تودون قوله من خلال ذلك؟
ج _ بأن الأدب لم يعد رهان التساؤل،بل يوجد ضمن التأكيد ذاته ،لقوته هادئ ومتيقن من ذاته ،يجتاز أزمات وخصومات دون أن يفكر في ذاته و لا أن يضع نفسه موضع سؤال تسيطر عليه لا مبالاة معولمة: “كل شيء أدب ” يرفض تميزه كما يتم ذلك مع السنيما ،نميز سنيما المؤلف عن ” السنيما التجارية ” كمثل ما تم مع الموسيقى أيضا ،تتميز الموسيقى ،الموسيقى العظيمة عن الموسيقى المتواضعة مصنفين الموسيقى طبقا للأنواع ،بوب ،روك ،إلخ ..لكن الأدب يعرض عن ذلك كله،لأنه شكل مفكر فيه جيدا تجاريا .
س _ هل تميلون إلى وضع النعت الملائم فوق الكتب أم يكون ذلك مختزلا واعتباطيا ؟
لكن التسميات موجودة سلفا تشير إلى المكافآت المحصل عليها، والجوائز ،والنجاحات المحرزة” أفضل المبيعات ” و أكبر عدد من المبيعات أو المشفوعة بآراء النقاد.
هذه الألقاب تعترف وتشرعن الكتاب ،تعلم أن ما يصنف الكتاب وما يموقع الأدب، قبل كل شيء ، أرقام المبيعات ،فعوض أن نترك الأدب لقناعته التجارية وحدها،يتعين محاولة تصنيفه وفق قناعات أدبية على الأقل من خلال الأجناس ” تخييل حي” ،”تخييل توثيقي ” و ” تخييل سيري ” ، ولما لا أعتبر هذا التمييز “أدب المؤلف ” و ” وأدب الكاتب ” فأن تصنف معناه يتضمن إعادة تعريف الأدب ووضع الكاتب مثلما فعل سارتر في مؤلفه ” ما الأدب ؟” من المعروف أن الأدب لا قيمة له في ذاته وألا اعتبار له سوى لدى قلة من فئة اجتماعية و ثقافية من القراء ،و التي تندرج دائما ضمن سياق و ثقافة معطاة.بيد أنه فيما يبدو لي،يتم التخلي سريعا عن التفكير في تعريفه لأجل التساؤل أساسا عن وظيفته البرغماتية : “متى سيكون ثمة أدب ؟ ” أو ” ما الذي يستطيعه أو يرومه الأدب ؟ .” تتساءلون : لا يمكننا تصوره الآن كموضوع يمكن إثارة أحاسيس جمالية ،وإنما كموضوع ثقافي وصفي سيكون له على القارئ أثر طيب ،أو شيء مثل ترياق جديد للروح.
س _ ما نوع التصنيف الذي تدافعون عنه ؟
حقا ،لا أدري ،كتبت هذا البحث لإثارة التساؤل،لكن يبدو لي هاما ألا ننسى استخدام القارئ كي يعتقد أن كل كتاب ينتمي إلى الأدب ،إن حدا أدنى للتصنيف يخبر القارئ عن المنتوج الاستهلاكي ( الذي سيقتنيه وهكذا لن يكون عرضة ” للخطإ بصدد السلعة ” يتعين الإشارة إلى الجنس الذي ينتمي إليه الكتاب ليس بالاقتصار على القول فقط أنه ينتمي إلى جنس ” الرواية ” ) والعمل على توجيه توجيهه إلى خصيصته على الأقل التجارية .
فبالنسبة للقارئ ( العادي ) والذي لا يمتلك بالضرورة الأدوات التي تمكنه من التمييز بين موديانو أو تراتوميون ،سيان .
هذه التسوية التي لا تضع في الاعتبار المعايير التصنيفية للقراءة لها استفادتها ،فيما الأدب التجاري يرفض التصنيف ،إنه الرضا بالأدب التجاري .
س_ كتبتم بأن الأدب المعاصر لا يهتم كثيرا بانتظارات القراء الذين يبحثون عن التعلم بواسطة التسلية ،و انتم تحثون على أدب يعنف القارئ حيث الكتابة تعمل عمل السكين،كما قالت أني إرنو .
_أجل،بالتأكيد ّ،لأن عدم تحديد تعريف للأدب يقترن بشكل من ” الديماغوجية ” ،و أحتاط من المؤلفين الذين يحرصون على الإرضاء بانتقائهم مواضيع الساعة .
إن جوهر عمل ما ،بالنسبة إلي ، هو بفرض كتابته ومعناه بشكل مضبوط، يتعين أن يكون غير ديمقراطي فعلا .أن يقاوم عبر المراحل والثقافات و التأويلات التي يمكن أن يخضع لها، فكل أثر يتضمن جزءا غير قابل للاختزال ويحمل في ثناياه شكلا للشمولية والجذرية الكونية ،إن النصوص الأدبية المهمة من خلال تلقيها إنما تفرض نفسها علينا .
س _ أمام هذا الانتشار” للتخييل الواقعي ” أتأسف على إبلاء الأولوية للموضوع على حساب الأسلوب ،فيما هذه الواقعية الموظفة أعادت تجديد الواقعي، هل تختلف عن واقعية القرن التاسع عشر مثلا ؟
المشهد الأدبي المعاصر محكوم بأدب يتخذ الواقعي موضوعا له متجسدا في ” التخييل الذاتي ” و ” التخييل الحي ” ثم ” التخييل السيري ” (من السيرة /المترجم ) (1) يعني نوعا من الصحافة الأدبية المنكبة على عناوين مختلفة ). التخييل الحي يحتفي بطقوس المنتصرين، بالحياوات العظيمة .
إن المؤلف يختار حياة مثيرة أو حدثا مميزا ذائع الصيت يتم تحت إشراف موضوع ثقافي ،حيث يستصدر مباشرة الاعتراف به .و بالأخص هذا الأدب الذي يتظاهر بكونه جد حداثي ،إنما في الواقع يكرر وصفات البيوغافية السيرية و الرواية التاريخية ،التي لازالت تعد من الأجناس االمبتذلة ثقافيا في الثمانينات لتتلاءم مع المعيار التجاري .هي روايات لا تكتشف أي شيء ، ولا تسهم مطلقا في تعاقب الاكتشافات التاريخية ،كما كتب ميلان كونديرا في ” فن الأدب ” ،لدينا الآن مؤلفون يضمون فيما بين مواضيع غير متجانسة فيصيرون كتابا رخيصين ،رسامي بورتريهات أحيانا ،على حساب الشهرة دون امتلاك فضاء شخصي، يدعون الحرية في تشويه حياتهم لتعميمها حتى تصبح في مكنة عدد كبير من القراء دون أن يكونوا متخصصين في المرحلة والشخصيات التي يتحدثون عنها،هذه الحرية المطلقة للروائي تميل ،دائما ،إلى التضليل ،وعدم التخصص هذا يبدو لي غشا للقارئ ، بيد أنه ،ومع كل ذلك ، أليس من الخطورة جدا لو أن هؤلاء الكتاب لم يكونوا قد فقدوا إيمانهم بمثال شعري عال؟ إذا كانت اللغة هي الرهان وإذن فإن هذه النصوص ستبلور بنوع من الصحافة غير الشخصية محافظة على رابط واهن بالكتابة،دون توسع شعري، فكثر هم كتاب غادروا تأليف الكتب.
س _ هل هو نقص في الجرأة الشعرية والسياسية الذي تعلنه ؟
بل مسألة مصلحة فكلما قلت كتابة كتاب إلا وكان أوفر حظ في أن يلقى الرضا بما أن القراء الكبار لا يعبؤون بطريقة تقديم الموضوع بل يهتمون بالموضوع ذاته .لدينا الانطباع بأن الأدب يكتب رغما عنه دون أن يكون موقعا.يردد أصوتا مجهولة لصناعة ثقافية .
يرفض المؤلفون الخضوع لنوع من التكفير عن الزيف الشعري حتى لا يرعبوا القراء الكبار، هناك من الكتاب من يجعل من الأدب رهانا شعريا من قبيل ماثياس إنارد لورون موفينيي أو فليب فورست مثلا .وهم قليلون .
س _ بهذا يندمغ الأدب بأثر السياق السوسيواقتصادي الذي تتمظهر فيه النيوليبرالية؟
نعم ،تماما ،الأدب هو أكثر إنتاج اقتصادي أكثر من أي وقت مضى ،وضحية لإنتاج مفرط كما يشهد بذلك تقرير راسين،ومن ثمة فإنه يكتب قليلا وفي وقت قصير ،ويختزل في عملية تركيب للموضوع ،مجرد إنشاء،بينما الكتابة تصنع في الزمن وبعمق .
في زمن تأكيده ،يبدو الأدب بوسعه تجاوز هذا العمل مثل الكتابة: إن أرفيوس أصبح منذ الآن بوسعه الإعراض عن أوريديس ولم يعد يرغب في عودتها . أرفيوس هو الكاتب المعاصر الذي فشل في إعادة حبيبته من الجحيم ومعها الجمالية بما هي المادة الشعرية للكتابة .
س _ بحثك هذا يأخذ صفة صك اتهام ،إن كنتم توجهون دعوة ماذا ستقولون ؟
يمكن القول بأن هذا البحث بمثابة صك اتهام ضد الأدب التجاري المعولم، أو كمناصرة للأدب الأدبي الصارم،كل مرتبط بوجهة نظرنا اتجاه الأدب، من المحقق أنه لا يوجد خطاب مضاد لهذا الأدب التجاري وأن أقل محاولة لفهمه تبدو شاذة بوصفها أدنى حد للنقد ضمن مجتمع تجاري ينكر المسلمات، والنقد فيه يبدو هجوميا.إلا أن النقد حينما يروم أن يكون صادقا ،ومتفهما كالذي أسعى فاحصا بموضوعية أعني النقد الأدبي المعاصر، فهو إزاء نظري فعل حب: فأن تريد الفهم معناه أن تحب .
بالمناسبة يعتبر تزامن مبهج صدور تقرير راسين الذي فيه يبدي الملاحظات ذاتها كالتي في مقالي خاصة المتعلقة بفرط الإنتاج في الكتب، كان بوسعي الاكتفاء بالصمت أنا أيضا و أفكر في القاعدة وأكتفي بكتابة قصصي الصغيرة ،والنشر في كبريات دور النشر دون أن أعرض نفسي للأخطار،سيكون الاختيار الأسهل مما كان سيوفر علي عدد الخصوم غيرذي جدوى ،إلا أن الأمر يعني لي واجبا يتعين علي القيام به:إنه الالتزام الضروري ومهجة الكاتب من أجل الإنصاف والعدل.إزاء هذا أحس كثيرا بالألفة مع بيار بيرجينيو وبيار ميشون اللذين يلاحظان اندثار فضاء القرية أو مع ديديي دانيك و آني إرنو اللذين يسجلان اختفاء ثقافة لمشهد إحدى الضواحي، شخصيا أرى اختفاء اختفاء لأدب صارم .
……………………………………………………………………………………
(1)بالمعتى الذي حدده Alain Buisine
Fboula ; Atelier Littéraire Biofiction_ Faboula.org
نص الحوار يرجع إلى Nouveau Magazine_ Littéraire .com
شاعر، مترجم وباحث/ المغرب