بعد التفشي الخطير الذي أضحت تعرفه المخدرات بإقليم الحسيمة، وارتفاع أعداد ضحايا هذه السموم من مختلف الفئات والجنسين، نتيجة الرواج المزدهر الذي تلاقيه. قرر ” التبريس ” إماطة اللثام عن ظاهرة انتشار المخدرات القوية ( الكوكايين، الهروين، الأقراص المهلوسة…)، بين أوساط الشباب، لدرجة أن دعوات متكررة من المجتمع أصبحت تنادي بتدخل عاجل من أجل تطويق الظاهرة وتقليص أعداد المدمنين خاصة بين الناشئة، ونظرا لما تسببه هذه الآفة من انعكاسات سلبية على المواطنين قررنا اختيار باقة من الأسئلة وتوجيهها للسيد محمد بوسكوتشي عضو مؤسس لجمعية تهتم بانتشار المخدرات والتعاطي، وكان هذا الحوار التالي.
سؤال :هل بإمكانكم تقديم ولو باختصار دواعي التأسيس ؟
جواب : الفضل يرجع الى مجموعة من الأطر الصحية و المدنية و الحقوقية التي التأمت في جمع عام قصد تأسيس جمعية تحت اسم جمعية الوقاية من أضرار المخدرات بالمغرب فرع الحسيمة، وهي جمعية وطنية، وأنا حظيت بشرف وجودي ضمن المؤسسين وطنيا، ويوجد مقرها حاليا بطنجة، ومحليا وبعد أن رصدنا ومنذ سنة 2008 كفاعلين بالميدان الصحي و الحقوقي، مجموعة من السلوكيات عند شبابنا بالإقليم مرتبطة بظاهرة تعاطي المخدرات و ما يترتب عنها من عواقب صحية ونفسية، قررنا تأسيس فرع الحسيمة.
سؤال : ماهي أهداف الجمعية باختصار ؟
جواب . تهدف الجمعية إلى تحقيق ثلاثة عناوين كبرى وليست بالهينة و عندما اقول بالهينة فأعي ما أقول : 1- الوقاية من التعاطي للمخدرات. 2- التقليص من الأضرار المرتبطة بالتعاطي للمخدرات . 3- الدفاع عن حق المدمنين في العلاج و حماية حقوقهم. وهنا ممكن اذا تفضلتم سأوضح اكثر اذا أتحتم لنا الفرصة في هذا الحوار لان أصلا الجمعية أسست لمدة غيــر محــدودة بمعنى لها خصوصياتها هدفا ووسيلة، بمعنى أن ما من مجتمع خال من المخدرات فهي افة خطيرة و مدمرة، والجمعية ليست عادية.
سؤال: كيف ذلك ؟
جواب : بمعنى القيام بحملات تحسيسية و تثقيفية حول أضرار المخدرات كما قلت لأنه مجال مازال يعرف نوعا من الخجل في طرحه ان صح التعبير او كما قلت طابو….. واختيار الفئات المستهدفة مثلا…… ولسنا بجمعية محاربة المخدرات كما يعتقد البعض ذلك لأنه ليس بالأمر السهل، لقد أدت قلة المعطيات المتداولة بين الرأي العام وتناقضها وبعدها عن الحقيقة، لتعزيز هذا الوضع، الذي أدى لتكريس سوء الفهم والقلق و التخوف لا سيما الشعور بالعجز حيال وضعية المدمنين و كثرة انواع المخدرات التي عرفت تطورات سريعة في العالم، لا سيما ظهور انواع جديدة تحتاج الى تحديث مستمر للمعلومات حول تأثيرها، و العمل كذلك على تقليص الأضرار المرتبطة باستهلاكها والتوعية بالمخاطر الصحية أساسا، الايدز و الالتهاب الكبدي الفيروسي نوع ” ب” و “س”. لأننا وبكل موضوعية لسنا جمعية تحارب المخدرات بل نحارب الاضرار الناتجة عنها، و كذلك العمل الميداني مع متعاطي المخدرات بمعنى العمل عن قرب معهم، لأنه كما تعلمون ويعلم الجميع ان هذه الفئة غالبا مع تعيش مختبئة وفي اماكن معزولة عن المجتمع وبعيدة عن أجهزة الأمن التي تلاحقهم، ونعمل جميعا كفريق ميداني ومكتب الجمعية من اجل تحديد حاجيات المتعاطين الصحية النفسية الاجتماعية القانونية والأخلاقية لحشد الدعم لإيجاد الحلول اللازمة لهم.
سؤال: هل تجاوز المجتمع المحلي نظرة ” الطابو ” ازاء هذه الظاهرة، وهل يمكن التعريف بعملكم أكثر؟
جواب: تعرفون ان المتعاطي او المتعاطية للمخدرات انسان لم يختر مصيره، ولذلك فبطبيعة الحال له حاجياته بمعنى له حقوق اجتماعية وقانونية ويحتاج الى دعم و لما لا الادماج كذلك، أليس للمتعاطي او المتعاطية للمخدرات الحق في العلاج ؟ والكرامة و العيش في ظروف إنسانية حسب معايير حقوق الانسان المتعارف عليها دوليا. وكما لا يخفى عليكم أننا نساهم في تشجيع البحث العلمي و الميداني والأدوية البديلة للوقاية من مخاطر المخدرات وكان لنا الشرف كجمعية وطنية ساهمت بشراكة مع وزارة الصحة و بعض المؤسسات الرسمية لترخيص و استعمال ”الميتادون ” لأول مرة بالمغرب كدواء بديل، والمتواجد حاليا بمجموعة من مراكز الادمان التابعة لوزارة الصحة، وكما نبادر و نساهم بتنظيم دورات تكوينية لأطر الصحة و أعضاء الجمعيات المعنية بالموضوع، ونعمل كذلك على عقد ندوات محلية، وطنية ودولية في مجال تعاطي المخدرات وسبل تقليص الأضرار المرتبطة بالاستهلاك خاصة عن طريق الحقن. وربط علاقات محلية ووطنية ودولية مع جمعيات ومنظمات، لتحقيق نفس الأهداف.
سؤال : على المستوى الاقليمي هل يمكن لكم تقريب القارئ لأنواع المخدرات التي المنتشرة بين هؤلاء المتعاطين ؟
جواب : زد على ذلك المتعاطيات لنؤكد للقارئ الكريم ان ” النسوة ” لم يسلمن من هذا المرض ، او من التعاطي ، صحيح هناك العديد من المتعاطيات و المتعاطون عندما قلت بأننا نتعامل مع شريحة اجتماعية غير مرئية للجميع وتعيش على الهوامش، على مستوى الاقليم نتوفر على فريق ميداني متنقل يتكون من عنصرين ذوي تكوين في هذا المجال يتواصلون مع المتعاطيات والمتعاطين كما قلت من اجل توعيتهم على اساس التقليص من المخاطر المرتبطة بالتعاطي و خاصة الاشتراك في الحقن وبعض الممارسات المشتركة بينهم والتي تتجلى في الاستهلاك المشترك بناء على نوع المخدر.
سؤال: وهل لدينا متعاطيات ومتعاطين للمخدرات بالحقن بالإقليم والنواحي ؟
جواب : الاقليم به عدد مهم من المتعاطين و المتعاطيات للمخدرات كما يسميها البعض بالمخدرات القوية رغم أنني أرفض هذا التعبير ( القوية ) فالمخدرات ليس فيها القوية والضعيفة بل كلها قوية لما لها من اضرار على صحة متعاطيها وزد على ذلك اننا نتواجد بين منطقتين معروفتين وهما تطوان والنواحي غربا والناظور شرقا وهما المنطقتان اللتان تعرفان عددا كبيرا من ضحايا الإدمان.
سؤال : كم يقدر عدد المتعاطين و المتعاطيات حسب إحصائيات جمعيتكم؟
جواب : قد يتجاوز العدد 200 منهم من يدخن أو يحقن و هناك من يجمع بينهما، وهناك من هو في بداية التعاطي، ومن يرفض الاقتراب إلينا، والمشكل الخطير هو ظاهرة الحقن التي أصبحت تنتشر بشكل سريع بين المتعاطيات والمتعاطين.
سؤال: وهل تتوفرون على مقر للجمعية ؟
جواب : حاليا نتواجد بأحد المؤسسات التابعة لمندوبية الصحة ، مقرنا عبارة عن مكتب تم إنشاؤه في اطار شراكة مع وزارة الصحة، نشتغل فيه بشكل مؤقت، بكل ما يتعلق بالأنشطة الادارية و ملء الاستمارات و التواصل مع المكتب الوطني، اما اغلب الانشطة فهي ميدانية يتكفل بها متدخلون ميدانيون وبشكل يومي على مدار الأسبوع للتواصل مع المتعاطين و المتعاطيات .
سؤال: لاحظت من خلال مداخلتكم استعمال مصطلح المتعاطين و المتعاطيات للمخدرات و لم يرد في كلمتكم مدمنين و المدمنات على المخدرات ما سبب هذا التمييز ؟
جواب: اشكركم على هذا السؤال وكما احييكم على هذه الملاحظة المهمة مما يدل على انتباهكم، صحيح مصطلح المدمنين و المدمنات اصبح يثير نوعا من الوصم اتجاه هؤلاء المرضى و كما هو في علمكم الادمان هو مرض معترف به من طرف المنظمة العالمية للصحة، وأغلبية الدول اصبحت تولي اهتماما كبيرا وتضع استراتجيات و مخططات على مستويات عدة : الوقاية الاولية ، الثانية و الثالثة.
سؤال كيف ذلك ؟
جواب : بمعنى ان المتعاطين و المتعاطيات للمادة المخدرة ليس هم من اختاروا ان يصبحوا مرضى وبالتالي فهم ضحية لمجموعة من السلوكيات التي ادت بهم الى الوصول الى هذا المرض، و عندما نتكلم عن الوقاية الاولية فدورنا جميعا بدون استثناء (صحافة ، تعليم ، صحة ، مجتمع مدني ،سياسيين ، اولياء واباء……..الخ ). هو العمل على توعية الشباب ، مراكز الاستماع و التوجيه ، مقاربة التثقيف بالنظير ، ندوات ، مسرحيات ، تشغيل نوادي صحية بالمؤسسات التعليمية ، فضاءات الصحة للشباب التابعة لوزارة الصحة . الوقاية الثانية ، تعزيز العلاج توفير اخصائيين في الميدان ، تسهيل الخدمات للمتعاطين ، توفير التغطية الاجتماعية للمتعاطين ، مراكز الادمان ، الخ الوقاية الثالثة : ادماج المتعافين في المجتمع ، هناك من المتعاطين من لا يتوفر على بطاقته الوطنية نظرا لما قلته سلفا لخصوصية هؤلاء المرضى وما يعيشونه من اقصاء وأحيانا حتى من اقرب العائلة، وهذا شيء خطير و هذا واقعنا لابد ان نشير اليه وللأسف عندما تجد مؤسسات صحية ترفض استقبال المتعاطية و المتعاطيات للمخدرات من اجل خدمة صحية، مثلا المتعاطي قد تكون له مشاكل صحية اخرى بعيدة عن المخدرات و عندما يلج المؤسسات الصحية فيعامل كأنه ”مجرم ” وأين الحق في الصحة ؟ او الحق في الولوج الى الخدمة الصحية التي ينص عليه الدستور المغربي.
سؤال: هناك انباء عن بناء مركز الادمان بالإقليم او بمدينة الحسيمة ما صحة الخبر ؟
جواب : صحيح بالمناسبة نشكر السيد العامل وكل من ساهم في اخراج المشروع الى الوجود و ربما المشروع قد تقدمت به الأشغال بنسبة تفوق 70% ، و الاطر الصحية تم تعيينها منذ مدة، ونتمنى ان يرى النور في اقرب وقت من اجل تمكين هذه الفئة بعدة خدمات، هي الآن محرومة منها، كما أنها تعيش الاقصاء والتهميش.
كلمة أخيرة
باسم أعضاء المكتب المسير و المتدخلين الميدانيين للجمعية نشكر موقع ‘ التبريس’ وكل العاملين به على الانفتاح والسبق إلى هذا الحوار مع جمعيتنا التي تعتبر جمعية مختلفة عن الجمعيات الاخرى وربما حتى المجال الذي تشتعل فيه هو ما يميزها عن باقي الجمعيات المدنية و الحقوقية. فإلى حدود الأمس القريب كان يصعب الكلام او الاعتراف بان هناك متعاطين او متعاطيات للمخدرات، مما كان يثير أكثر من علامة استفهام حول استمرار تعامل المجتمع مع هذه الظاهرة ك” طابو “.