ترجمة وتقديم : *محمد العربي هروشي
كما هو معروف ليس ماريو فارغاس يوسا كاتبا روائيا عالميا فحسب، وإنما باحث ومحاضر مرموق في أرقى الجامعات العالمية تحدث عن كتاب عالميين من قبيل فلوبير وماركيز و،وفكتور هوغو و وأونيتي وغيرهم كثير ،في هذا الكتاب Cincuenta anos con Borges الصادر مؤخرا عن دار النشر المشهورة Alfaguara يتطرق فيه إلى رفقة كاشفة عارفة بخبايا الكاتب العالمي الشفيف خورخي لويس بورخيس .
س _بالنسبة إليك،ماريو ،بورخس مثابر أدبي مثل فلوبير وهو كذلك على مستوى المنهج،ثمة ضوء دائما منير في بورخس،بالنسبة إليك، بالرغم من نفسك الروائي وأبحاثك لا تتشابه في أي شيء،عدا فيما يتعلق بالصرامة الأدبية.
لا شك كون أدب بورخيس ،بالنسبة إليك ،و أكرر،قمة آداب اللغات الإسبانية في الستين عاما الأخيرة …
ج _أجل ،أعتقد بأن بورخيس من أهم الكتاب في لغتنا في الوقت الراهن.يندرج ضمن الكلاسيين،ربما إن كان من مقارنته بأحد توجب القيام بها مع Quevedo و الذي كان يكن له تقديرا عظيما ،والذي جعل منه أنطولوجيا رائعة منذ سنوات خلت.
أثار في كتاب Bioy Casaresme ااشمئزازا كبيرا بمجرد أن رأينه منشورا ولم أقرأه و لن أفعل.يبدو لي عديم الأخلاق ككل المحادثات الخاصة التي كانت لبورخيس مع Bioy Casaresme شيء ما مقزز ،هذا الأخيرسيسجلها أو سيعيد إنتاجها فيما بعد وهو يفكر في كتاب بعدي .
س _ قرأت هذا الكتاب ،كتاب Casaresme شيء ما مضجر بما يتضمنه .بيد أن ،بالنسبة إلي ،لا يبدو لي كتابا “ضد بورخيس ” هو ثأر لكون أن تكون الصديق الدائم ،في ذاك البيت كان يتعشى كل يوم ثم بعد ذلك ينتقل إلى بيته في سيارة “أدولفيتو “،أخيرا ،يتبقى معي اسميهما المستعارين Bustos Domeq و والذي لعمله في فترة الشباب ،إشهار La « Martona “،احتفظت شركة عائلة Bioy Casaresme بصداقة عظيمة لكليهما .
قلب الإنسان مملوء بالتناقضات،وهذا نعرفه ،ولكن ،في آخر المطاف ،نحس بميل تجاه بورخيس،وإذا ،نتناقض معه عدة مرات ،لست أدري ،إن كان هذا كافيا ،بيد أني أود أن أسألك كيف كان بورخيس كشخص .كثير ممن عرفوه وقدروه ،أيضا ،قالوا عنه بأنه أكبر وقح …(ربما يكون للمعرفة هذه التناقضات ،الشرط الإنساني ) Bioy Casaresme نفسه في هذا الكتاب ،الذي تحدثنا عنه أعلاه ،اعتبره بمثابة الذاكرة العشوائية للهواتف والحواسيب وبأنه وقح .ربما يكون للمعرفة هذه التناقضات الشرط الإنساني ،في آخر المطاف…كثير من الكتاب،ماريو ، حاولوا تقليده في كتابته .
نقاوته وجماليته ،وطرازه العالي، أسلوبه حتى الهذيان .
أتذكر بعض الكتاب كانوا ولا زالوا محبطين ،حاولوا هذه المغامرة المستحيلة .لماذا ،وفق معيارك الفكري، من المستحيل تقليد أو انتحال بورخيس دون أن يلاحظ الأمر بسرعة ،عند القراءة الأولى ؟
ج _ أسلوب و تيمات بورخيس هي شخصية بشكل خالص،و لهذا ليس لبورخيس مقلدون مقبولون على خلاف فولكنر أو جويس .بورخيس يقتل مقلديه ،يعني ،يلغيهم و يشي بهم ك” بورخيسيين “،كثير من الكتاب من أجيال و لغات مختلفة حاولوا تقليده ،وعوض أن يدفع بهم نحو الأصل تمت الوشاية بهم كمقلدين.
هذه حالة غريبة،لأنه ،بصفة عامة ،يحفزون الكتاب الكبار الأكثر شبابا ويسمحون لهم بالبحث عن أصواتهم الخاصة ولكن حتى في هذا الصدد فبورخيس فريد .
س _ فيما يتعلق بشعره ،أنت تعرف…هناك أشخاص ،نقاد من قيمة أدبية ما ،يؤكدون على أن شعر بورخيس ليس “مهما” كمثل نثره و سروده وقصصه ،وأبحاثه ..هل تنافس قيمته الشعرية ،هل تحكم عليها كما الآخرين،بكونها أقل من قصصه و أبحاثه في مجمل أعماله ؟
ج _ أظن بأن شعر بورخيس جميل كمثل أبحاثه وقصصه ،أحيل على شعره الذي كتبه في شبابه بمايوركا،أو عند رجوعه إلى بوينوس أيريس،آخر شيء عندما حاول أن يكون شاعرا متطرفا وليس حينما حاول أن يصير شاعر الكيريوليون ( من أبناء الأوروبيين في أمريكااللاتنيية ) شعر تخلى عنه سريعا.
إنما سأقول انطلاقا من التاريخ العالمي للمجاعة حيث عثر بورخيس على تيماته الخاصة وشرع يكتب بأصالة عظيمة.
س _ ماذا تقول عن مطبات بورخيس والتي أزعجت ،يمينا ويسارا ،وأزعجت اليسار أكثر من اليمين ،دون ريب ،هناك حتى كتب تجمع هذه المطبات ،العبارات الأكثر شهرة لبورخيس ،مترعة بملاحة ساخرة وبسخرية قاسية ،دائما مرحة بالنسبة للبعض وليست كذلك للبعض الآخر.
ج _ توجد هذه التخيلات الوهمية و لا أستغرب أن يكون هناك كثير من الكتب الثرثارة حول بورخيس.و الواقع ليست ثمة داع لكل هذه الاختراعات ،لأن حياته بقيت منعكسة في عبارة كتبها في مختصرات ولوامع مقدماته :” كثير من الأشياء قرأتها وقليلها عشته .”لقد أمضى الحياة يقرأ في المكتبات.بداية في مكتبة أبيه ثم في المكتبات العمومية وليس هناك أدنى شك،في الوقت ذاته ،أن يتحول ،بفضل ذاكرته الغنية ،إلى متخصص فوق العادة ،كانت تجربته الحية محدودة وعاش حياة مبتسرة وفقيرة ،خاصة من وجهة النظر العاطفية و الجنسية .من حسن حظه التقى في شيخوخته بماريا كادوما امرأة حسناء ،شابة ،ومهتمة بعالمه،والتي منحته الثقة في نفسه ورافقته إلى آخر حياته .
أظن بأنه كان سعيدا في تلك السنوات على النقيض ما كان عليه أيام شبابه و نضجه.وكل المعجبين ببورخيس ،علينا أن نشكر ماريا كادوما من أجل ما قامت به بعد وفاته .
إن تطور بورخيس ،نتكلم أدبيا ،هو عطاء سيتحرر من النزعة الكيريوليولية ،تندرج في العمق الأساس للتطرف سيصارعه ثم يعود للإحساس بالتوق لهذه النزعة لعدة مراحل زمنية (أرجنتيني حد الموت )، وأخيرا انطلق نحو العالمية ليحتل مكانته في هذا العالم الخالد و الكوني وقد تحقق له ذلك ،ويثبت ذلك عمله و عبارته التي مؤداها أن بورخيس هو الكاتب الذي كان منتظرا،والكاتب الكبير في لغتنا في النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين ،فوق كتاب آخرين جيدين و الذين بلغوا إلى أهمية إعلامية عالية جدا و شعبية كبيرين من القراء ضمن عالمنا الإسباني.هذا التطور نحو العالمية بدأ ذلك في المجلة فيكتوريا أو كامبو و سور /Sur المترعة بالنزعة الطليعية..مارأيك ؟ فيما رواه Otrosi :” منذ ثلاث سنوات كنت في السربون من أجل الاستماع إلى واحدة من أفضل محاضرتك الأدبية.أظن كانت معنونة ب”Un barbaro en Paris «” /بريري في باريس وتلبسنا كرسي فارغاس يوسا في هذا الحديث العجيب،كان هناك حشد من الجمهور،ضمن مشاهير أدبيين آخرين ،هناك المالك الحالي لغالمار حاضرا ،أعطيت درسا كبيرا عن بورخيس.لم يكن الموقف نفسه لبورخيس حينما ألقى محاضرة في باريس أمام أكاديميين و أساتذة ،أعتقد أن ذلك كان في1963 والتي كان أقنع بها الفرنسيين والعالم الأوروبي برمته بأنهم كانوا أمام عبقري أدبي عظيم .
ج _ سأتذكر دائما زيارة بورخيس إلى باريس عام 1963 حينما كنت أشتغل بالإذاعة والتلفزة الفرنسية ،تم استدعاؤه بمناسبة تكريم شكسبير الذي كان منظما من طرف اليونيسكو،شاركا فيه أيضا لورانس دوريل و أونغريتي ،هذا الأخير قرأ ترجماته لسوناتات شكسبير فيما قدم دوريل عرضا مرحا ،تحدث فيه عن أن شكسبير كان بمثابة هوليوود في زمنه ،بيد أن الذي أبهر الفرنسيين كان بورخيس . صعد إلى المنصة ماسكا بيده روجر كايوس وعبر بفرنسية عتيقة و كلاسية.محاضرة جميلة حول شكسبير،ساردا من الذاكرة شذرات من شعره و من مسرحياته .خلال تلك الزيارة ألقى بورخيس حديثين بالسوربون و بدار أمريكا اللاتينية ،شوهد من بين هذا الجمهور الحاشد كبار الكتاب الفرنسيين والذين حضروا لأول و آخر مرة ،محاضرات حية لهذا الزميل اللاتينوأمريكي والذي كان يتحدث فرنسية متقنة وكان قد قرأ أدبا فرنسيا أكثر منهم ،كان بورخيس قد شاخ إلا أنه علي أن أثير الانتباه كيف هيمن على باريس.
خلاصة هذه الزيارة تجسدت في الأعداد الخاصة بمجلتي NRF و L Herne ،ومن يومها أضحى بورخيس وجها معروفا في فرنسا كما يؤكدان الحجمان اللذان أفردتهما له La Pléiade في طبعة هي نموذج والتي لا مثيل لها في الإسبانية .
…………………………………………………………………………
عن El Cultural
*شاعر ،مترجم وباحث من المغرب.