محمد الزياني
يعتبر بوجمعة العنصر الوحيد ، من جيل المؤسسين ، الذي واكب كل مراحل تواتون منذ انبثاقهاسنة 1973/ 74إلى وقتنا الراهن !وظل على طول هذه المدة الزمنية ، مساهما في صاغة خطها الفني ، حريصا على المشاركة الدائمة في مختلف تظاهراتها ، بدءا بلقاءات الأحياء الشعبية الأولى مرورا بحضوره المنتظم في شتى مهرجانات الأغنية الملتزمة ، كالذي دأبت على تنظيمه سنويا جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور 1978/1984)) ، قبل ولوجه الفردي و الجماعي إلى رحاب الكليات والجامعات المغربية في إطارأنشطة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي.. وصولا إلى جولاته ضمن المجموعة عبر مختلف البلدان الأوروبية قبل وبعد استقراره النهائي هو ورفيقه عبد الحق أقندوشببرسلونة الإسبانية ثم ببرلين الألمانية حاليا.
لقد سبقت الاشارة ، في اكثر من مناسبة ، إلى ان احتكاك تواتون و انخراطهافي أنشطة وفعاليات جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور منذ سنة 1979 ، شكل سندا ودعما لها في تصليب عودها الفني واستقامة خطها الملتزم، وكانت لها بحق مدرسة سمحت بتعميق فهمها للفن الغنائي كتعبير صادق عن الهواجس الفردية والجماعية العاكسة لآلام وآمال المضطهدين والمهمشين والمعذبين في الأرض ، وحافزا فنيا لهم لاستنهاض الهمم للانتفاض والتمرد على مظاهر الفساد والاستبداد والحيف والتهميش.. عبر زرعها لبذور الأمل وغرس قيم التضحية والصمود التي تنشد الخلاص ورسم معالم الغد المشرق الوضاء..
واعتبارا لهذا الدور التعبوي/ التنويري للانطلاقة الثقافية ، ظل أعضاء تواتون ومنهم بوجمعة وقطاع واسع من شباب المنطقة مسكونين برغبة جامحة لإيجاد إطار ثقافي جاد مماثل بمدينتنا الحسيمة ، من شانه تطوير الممارسة الثقافية الديمقراطية ذات البعد التحرري المنفتح على الجوانب المشرقة في الثقافة الإنسانية ، سواء عبر تشجيع بعض الإطارات الموجودة : كشعاع الريفوالنادي السينمائي .. أو خلق و تنويع مبادرات إضافية كفيلة بإنعاش الحياة الثقافية الجديدة بالمنطقة واستجماع طاقات و إبداعات شبابها في مختلف المجالات… وهي الحاجة التي سرعان ما التحمت شروطها الذاتية والموضوعية لتسفرعنولادةجمعية البعث الثقافي كثمرة لمجهود جماعي ونقاش ديمقراطي واسع ، امتد إلى مختلف المواقع الجامعية المحتضنة لأبناء المنطقة من الطلبة ، وليس صدفة ان ينعقد لقاء فاس بالبيت الذي يتقاسمه احد اعضاء تواتون(الزياني) مع باقي زملائه حيث تم تدارس كل السبل الممكنة والآفاق المنتظرة لهذا المشروع الثقافي الواعد الذي سيرى النور بتاريخ 11دجمبرسنة1982 ( تزامنا مع الذكرى الخامسة لاستشهاد سعيدة المنبهي).
ومنذ اليوم الأول ، انخرط بوجمعة معية مجموعته بكل حماس ضمن اللجنة الفنية للجمعية كعضو فاعل بأجهزتها القاعدية ، مشاركا في كل تظاهراتها الثقافية المتنوعة ، ومنها الاسبوع الثقافي الفلسطيني المنظم بدار الشباب بتنسيق مع نادي السينمائي من 21 إلى 26مارس 1983 تحت شعار: “من أجل ثقافة في خدمة القضية الفلسطينية ” تضامنا مع الشعب الفلسطيني عقب المجزرة الشنيعة : صبرا وشاتيلا ، والذي تضمن: ندوات ومعارض للصور العاكسة لفظاعة المجزرة ولوحات تشكيلية ومعلقات شعرية وقصصية ومبيعات ذات المغزى التضامني الإنساني …وغيرها من الفقرات التي توجت بأمسية غنائية اطرتها إلى جانبتواتون، كل من : محموعةثدرين والتلميذة أشهبون ومجموعة الشعلة البيضاوية صحبة الشاعر: عبد الله الزريقة ورفيقته ثريا الحضراوي ..هؤلاء الذين اعادوا على مسامع جمهور الحسيمة وطلبتها اناشيد فرقة العاشقين الفلسطينية ورائعة توفيق زياد : ” فلتسمع كل الدنيا …”وأحمد قعبور ومارسيل خليفة مع أجود أغاني وإبداعات هذه الشعلة التي تطفح حماسا مجسدة لأبشع صور الاضطهاد والبؤس والشقاء بالبلد من قبيل مرثية سعيدة المنبهي: ” إمرأة أحبت الضوء “واغنية” ابن مسيك ” لصاحبهما : عبد الله ازريقة.
وفي ذات السياق الزمني والانتعاش الثقافي البديل ، ستعرف حديقة فندق الريف بالناظور على مدار ثلاثة أيام 26/27/28 غشت 1983 فعاليات المهرجان الخامس للأغنية الشعبية للانطلاقة الثقافية تحت شعار ” ثغوزيذيثونكينت” الحفر في الذاكرة ، فكانت مشاركة بوجمعة ومجموعته تواتون هذه المرة باسم جمعية البعث الثقافي التي أبت إلا ان ترافق المجموعتين (تواتونوثيذرين) الى هذا المهرجان بوفد هام من اطرها وفعالياتها ..
بعد هذه المشاركة الفعالة والناجحة مع أشقائنا بالناظور والتي تخللتها ووازتها نقاشات همت آفاق التنسيق الجمعويوالاشتغال المشترك ين الإطارين (البعث والانطلاقة) حول موضوعة (thème): راهن ومستقبل الثقافة الوطنية الديمقراطية ببلادنا ودورها في التغيير …كما نظّرت لذلك ، في الإبان ، أرضية عبد اللطيف اللعبي: “المسألة الثقافية والعمل الجمعوي” سنة 1983 التي حضيت باهتمام ونقاش واسعين على الصعيد الوطني.
وتجدر الإشارة إلى ان هذه الدينامبةالثقافية المشهودة ، لم تكن بمعزل عن المنظور Perspective السياسي لدى اليسار الجديدللمسألة الثقافية ببلادنا ، دينامية زادت حدتها مع بدء ترتيبات واستعدادات عقد الجمع العام السنوي لتجديد دماء جمعية البعث وترسيخ هياكلها التنظيمية بعد مضي سنة على تجربة التاسيس الثرية ، وهو الجمع الذي انعقد أواسط شهر دجمبر1983 بدار الشباب وانبثق عنه مكتب تنفيذي جديد تبوأ فيه صاحبنابوجمعة عضويته الكاملة بجانب زملائه وزميلاته مع تجديد الثقة في الأستاذ المعلمي عبد العالي رئيسا للجمعية للمرة الثانية والأستاذ عبد المجيد ازرياح نائبا له…
غير ان الظروف الاجتماعية والملابسات السياسية العامة التي صاحبت حدث التجديد هذا ، والتي كانت أبرز تجلياتها : دخول المنطقة برمتها في غمار الاحتجاجات على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية ، تقدمتهامظاهرات تلاميذ المؤسسات الثانوية التي سرعان ما امتدت إلى قطاعات عمالية حيوية كالبحارة وبعض الخدمات … في تفاعل وتناغم مع ما كانت تمور به الساحة الوطنية والدولية من أحداث سياسية، ستؤكد الأيام القليلة الموالية بانها كانت تحمل في طياتها تباشير الانتفاضة الشعبية التي اندلعت شهر يناير 1984 والتي عمت ربوع الريف وبعض المدن المغربية الاخرى .. تلك الانتفاضة التي كان صوت بوجمعة في مقدمتها يصدح بشعارات لم تحد عن المطالبة بشروط العيش الكريم وإقرار الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية …وهي المطالب التي واجهها المخزن بالحديد والنار واجتياح قمعي عارم كانت حصة المدينة والريف عموما منه جد ثقيلة : شهداء بكل من الناظور و الحسيمة (المدينة) وتماسينت .. ومعتقلين بمختلف المواقع الوطنية والإقليمية لم تستثنعندنا ، مسؤولي جمعية البعث الثقافي في شخص رئيسها : لمعلمي عبد العالي وأعضاء آخرين منهم الراقي عبد الغني وصاحبنا بوجمعةأزحاف الذي ظل متابعا ومطاردا لمدة 3 سنوات أمضى جلها بمدينة فاس مع رفاق مقربين (من الطلبة الجامعيين) بعدها اضطر للتنقل بين مختلف المواقع الجامعية الأخرى: الرباط ـ وجدة وتطوان مشاركا بمفرده تارة ورفقة عبد الحق أقندوش وباقي عناصر تواتون (من الجيل الثالث) تارات أخرى ، ضمن فعالياتالاتحاد الوطني لطلبة المغرب UNEM حيث عُرف لدى مختلف أجيال الطلبة مناضلا صلبا وثابتا ، قبل أن يتم اعتقاله صدفة في تلك الليلة المشؤومة 16/ 17 غشت 1986 بالحسيمة ويحاكم ب3 سنوات سجنا على خلفية التهم المألوفة : التظاهر والتجمهر في الشارع العام دون ترخيص ، إحراق ممتلكات الغير .. وتهديد استقرار وامن البلاد … إلخ. ثلاث سنوات قضايا بوجمعة بالتمام والكمال بين سجني : الحسيمة وتازة قبل أن يغادر رتابتهما القاتلة بتاريخ 22 غشت 1989.
( في الحلقة القادمة: بوجمعة يشهر سلاح الإبداع لقهر عنف المؤسسة السجنية. )