عبد اللطيف مجدوب
برمجة مغرضة
يجب التأكيد ؛ بادئ ذي بدء ؛ أن هناك عقولاً ذكية اصطناعية AI؛ تختلف درجة ذكائها من تطبيق إلى آخر ، فالتطبيقات المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي يمكن اعتبارها جد مبتذلة Vulgar؛ بالنظر إلى منهجيتها في تسطيح القضايا ، ومجانبة للصواب والضبط والدقة ؛ عند تقديمها “المعلومة ” ، لكن كلما ساءلها باحث عن قضايا حساسة ذات بعد دولي أو كياني قومي ، لاحظ تحفظها الضمني ، أو بالأحرى مناورتها في الكشف عن “حقيقة المعلومة” ، ويمكن القول عموماً أن العقل الذكي الاصطناعي على منوال (Chat bot ) روبو الدردشة ، كان في البداية ذا “مصداقية نسبية” في البحث عن الأشخاص ودقائق الأمور ، لكن سرعان ما انخفضت درجة هذه المصداقية ، والتي كانت فحسب دافعا فضوليا لتكريس “أهميته” لدى الباحث والمستعمل عامة ، وبمعنى آخر ، برمجته تظل مغرضة ؛ يرمي المبرمج (Programmer) من ورائها إلى حشد أكبر اهتمامات القراء وانشغالاتهم وقضاياهم.. ليجعل منها قاعدة معطيات ضخمة ( Big data) ؛ أو بالأحرى بنك معلومات مركزي ؛ يتيح لهذا المبرمج التحكم في الاتجاهات والتيارات والأفكار والمواقف ، وفضلا عن كل هذا ، يرسخ ؛ لدى المستعمل والباحث ؛ خلية الاتكالية (stromal dependencycell) ويجرده ؛ في المدى البعيد ؛ من استعمال قواه العقلية بغرض “التحقيق والتحليل..” ما يعني تحويله بالتدريج إلى مستهلك أعمى أو ؛ بمعنى من المعاني ؛ إلى مجموعة قدرات خاملة وكسولة ( Lazy dormant abilities) .
آفة عقولنا
يلاحظ الباحث والمستهلك عموماً لمثل هذه التطبيقات أن برمجتها ؛ مهما وسعت مداها ؛ تظل آلية ، مجردة من الصفة الإنسانية ، فإذا سألته عن “علم أدبي” أو اسم ذي شهرة محدودة ، يجيبك عن شخص آخر ، حتى ولو اعتذر لك عن “سهوه” ، ويعني هذا ؛ في المحصلة ؛ أن هامش الخطأ موجود لديه بدرجة كبيرة ، وهناك أخطاء أحياناً قاتلة ، كأن يصف لك “دواء” لحالة مرضية مضادة.. أو يتحدث لك عن “شخصية” بهوية وطنية أخرى ، كأن يصف الأستاذ ( X) مثلا كاتب ليبي ويسهب في التعريف بمساره الأدبي أو الفكري ، بينما هو في واقع الأمر ، مغربي صرف ، طبقت شهرته الآفاق .
الذكاء الاصطناعي الحقيقي
وحتى تتكشف للقارئ الأبعاد المغرضة لهذا “المارد” ، نسوق مثالا ذا دلالة عميقة في أن هذا العقل يقف خلفه عقل مبرمج متحكم ، قدمت له نصا للترجمة حول ” المجازر وعمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة” ، فاعتذر عن الترجمة بداعي “التحايل” على إسرائيل والغلو في معاداة السامية!” ، وكأننا في مواجهة العدو الحقيقي الذي يقف خلف الستار ، أو الكاراكوز الذي يحرك خيوط اللعبة من الخلف!
وقد أكدت الوقائع التي أسفرت عنها ؛ حتى الآن ؛ حرب إسرائيل على غزة أن إسرائيل تفوق أمريكا والعالم بعشرات السنين في مجال التكنولوجيا الحيوية المستخدمة في أغراض التسلح والتجسس ، وقد عاينا مؤخرا عمليات الكيبيجي باستخدامها العقل الذكي الاصطناعي ؛ في استهدافها لعناصر فاعلة ، سواء في لبنان أو فلسطين ، وتمتلك بنكا معلوماتيا رهيبا ؛ يمكنها من تعطيل محركات طيارة في الجو ؛ أينما كانت ، وتصيب أي هدف ، داخل إيران وبدقة عالية !