بعد مرور حوالي سنتين عن الاستحقاقات الانتخابية، لم يعد الحديث بين الناس وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يدور فقط حول إخلال حكومة أخنوش بالتزاماتها وعجزها عن ترجمة وعودها إلى حقائق ملموسة، من حيث الإصلاحات الكبرى في قطاعات التعليم والصحة والقضاء، وتحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين، محاربة الفساد بمختلف أشكاله وإحداث التغيير المنشود، ومواجهة موجة الغلاء المتصاعدة التي أضرت كثيرا بالقدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، بفعل مسلسل ارتفاع أسعار المحروقات التي بلغت مستويات قياسية خلال السنتين الأخيرتين، وانعكاساتها على أسعار باقي المواد الأساسية والواسعة الاستهلاك.
بل امتد الحديث ليشمل أيضا غياب صوت المعارضة وتراجع دورها، رغم أن دستور 2011 منحها من الحقوق ما يخول لها القدرة على النهوض بمهامها النيابية والسياسية، وتمكينها من الآليات الضرورية التي تستطيع بواسطتها القيام بالدور المنوط بها في أحسن الظروف. حيث يضمن لها الفصل العاشر منه مكانة متميزة، إذ خصها بحقوق تكفل لها الاضطلاع بواجباتها في العمل البرلماني كما في الحياة السياسية، علاوة على مجموعة من الحقوق الأخرى، المتمثلة في حرية الرأي والتعبير والاجتماع ومنحها حيزازمنيا في وسائل الإعلام الرسمية يتناسب مع تمثيليتها،الاستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون، المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع ومراقبة الأداء الحكومي، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان، والانخراط في لجان تقصي الحقائق وتقديم ملتمس الرقابة والمساهمة في اقتراح مرشحين لانتخابات أعضاء المحكمة الدستورية، وكذا في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين عبر الأحزاب المكونة لها، طبقا لأحكام الفصل السابع من الدستور، وممارسة السلطة عبر التناوب الديمقراطي، محليا وجهويا ووطنيا…
فأين المعارضة من إخلال الحكومة بما وعدت به الناخبين من إصلاحات كبرى وتكريس الدولة الاجتماعية ومحاربة اقتصاد الريع ومختلف مظاهر الفساد والريع والرشوة والمحسوبية ونهب المال العام وتلبية انتظارات الجماهير الشعبية؟ ولماذا غاب صوتها وهي تمتلك رزنامة من الحقوق أمام هذا الاعتداء الشنيع الذي ما انفكت تتعرض له القدرة الشرائية للمواطنات والموطنين من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، تجميد الأجور وارتفاع معدلات الفقر والبطالة؟ وهل يعقل والحالة هذه أن يظل المغاربة يتلقون هذه الضربات الموجعة المتوالية من قبل المضاربين ومحتكري المواد الغذائية بما فيها تلك المدعمة، وفي مقدمتها الدقيق الذي يعرض بيعه في السوق السوداء لأرباب المخابز، وأن يستمر أباطرة المحروقات في غطرستهم وعربدتهم من خلال إشعال النيران في الأسعار وجيوب المواطنين، دون حسيب ولا رقيب؟
حيث بات واضحا أن التحالف الحكومي الثلاثي بقيادة حزب “الأحرار”، ما كان له أن يتغول بهذا الشكل الاستفزازي ويستمر قادته في صم آذانهم إزاء الاحتجاجات الشعبية المتواصلة، والتنكر لالتزاماتهم ونكث وعودهم الانتخابية وتعهداتهم، لو لم يجدوا أنفسهم في وضع جد مريح في ظل معارضة برلمانية ضعيفة ومفككة، تفتقر إلى أبسط مقومات المعارضة القوية من حيث الانسجام والتنسيق، خاصة أن هناك منها من يمني النفس بالالتحاق بالأغلبية الحكومية خلال التعديل الحكومي المرتقب من جهة، ومن جهة أخرى لم تفتأ الخلافات تتعمق بين مكوناتها، جراء استمرار التجاذبات بين بعض قادة مكوناتها، التي تتسم إلى جانب ذلك بتوجهات متناقضة بين ما هو إسلامي ويساري ويميني…
فبالرغم من وجود ملفات اجتماعية واقتصادية ثقيلة وضاغطة بسبب ارتفاع معدل التضخم وأزمة الغلاء المتفاقم، ومن كون الدخول المدرسي وحده يكلف آلاف الأسر المغربية مصاريف إضافية باهظة، لا تستطيع مواجهتها دون اللجوء إلى القروض، وما تعرفه الأوراش التنموية المفتوحة من تعثرات واضحة، مازالت المعارضة عاجزة عن توقيف مسلسل الانتكاس وابتكار آليات جديدة في التعبئة والعمل الجماعي، مما جعل الحكومة تصر على تعنتها والتمادي في تجاهل المطالب الشعبية وعدم الاستجابة لانتظارات المواطنات والمواطنين…
إننا نسجل بأسف عميق قصور مكونات المعارضة، وعدم قدرتها علىالتنسيق والتقارب فيما بينها، الاستغلال الجيد لحقوقها الدستورية والتوظيف الأمثل لهذه الآليات، في إعادة الفعالية والمصداقية للعمل البرلماني الهادف. ونستحضر هنا توجيهات الملك محمد السادس في خطاب السادس نونبر 2011بمناسبة تخليد الذكرى 36 للمسيرة الخضراء قبل انتخابات 25 نونبر 2011، عندما أبدى رغبته في إجراء “انتخابات تفرز أغلبية حكومية، تتحمل بكل شجاعة وانسجام وإقدام والتزام، مسؤولية تدبير الشأن العام، وتحاسب عليه من طرف معارضة بناءة، بقوتها الاقتراحية. معارضة برلمانية لها مكانتها الدستورية والفعلية، وليس مجرد أقلية مهمشة أو مقصية لا تأثير لها، تنتظر نهاية الولاية النيابية لتعرض برنامجها البديل”. فما الذي يحول دون استثمار المعارضة لهذه الحقوق والآليات، إن على مستوى التشريع أو الرقابة أو في الممارسة الفعلية؟
اسماعيل الحلوتي