استعدادا للانتخابات الجزئية المرتقب إجراؤها يوم الخميس 12 شتنبر 2024 بدائرة المحيط في العاصمة الرباط، اختار عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، أن يضرب عصفورين بحجر واحد: مساندة مرشح الحزب عبد الصمد أبو زهير في الحملة الانتخابية التي انطلقت يوم الأحد فاتح شتنبر 2024، ومهاجمة كل من وزير العدل والأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، واصفا إياه ب”وزير الفساد”، وكذا رئيس الحكومة وحزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، الذي وصفه هو الآخر ب”سارق الأرامل”.
ففي إطار تصفية الحسابات السياسوية الضيقة ومحاولة استقطاب أكبر عدد ممكن من الناخبين للتصويت على مرشح حزب “المصباح”، أبى ابن كيران كعادته إلا أن يوجه انتقادات حادة لوزير العدل المثير للجدل، مستعملا في ذلك أسلوبه الشعبوي المعهود، حيث تساءل: “كيف يعقل أن يكون وزيرا للعدل، ويدافع عن العلاقات الرضائية وعدم تجريمها في مشروع القانون الجنائي؟ معتبرا أن العلاقات الرضائية مجرد تسميات لا وجود لها، بل هناك زنا ولواط واغتصاب وفساد. ثم أضاف قائلا: “هذا ليس وزير عدل، هذا وزير فساد، ومن غير المعقول أن يبقى مثله وزيرا في حكومة أمير المؤمنين”
أما بخصوص رئيس الحكومة عزيز أخنوش، فقد نال حظه من “السخاء البنكيراني” المتواصل والذي لا ينفد معينه، حيث اتهمه بسرقة أموال الأرامل في إشارة واضحة إلى ما اعتبره حرمان عدد كبير منهن من مبلغ 500 درهم الذي كن يتوصلن به شهريا في إطار الدعم الاجتماعي، مخاطبا إياه بشكل مباشر: “أنت سارق، سرقت الأرامل وخالفت المبادئ والقوانين والدين، وأعمتك المسؤولية” وزاد متوعدا إياه بأن يستعد للحساب يوم القيامة، جراء ما اقترفه من ذنب عظيم في حق هؤلاء النساء. فأي وقاحة أفظع من أن يتجاوز من كان بالأمس القريب رئيسا للحكومة حدود اللباقة وواجب التحفظ، ويسمح لنفسه بوصف وزير في حكومة أمير المؤمنين ورئيسها بأقدح النعوت وتوجيه اتهامات خطيرة لهما؟
وهي الأقوال التي خلفت ردود فعل غاضبة، واستنكرها عديد المتابعين رافضين أن تأتي على لسان فاعل سياسي سبق له أن تقلد مسؤولية رئاسة الحكومة. فيما اعتبرها محللون سياسيون تهجما سافرا يتعين على وزير العدل اتخاذ نفس الإجراءات التي اتخذها في حق عدد من الصحفيين والمدونين. إذ أنه وبعد أن سبق له جر الناشط رضا الطاوجني للقضاء، وحوكم بأربع سنوات قبل أن يتم إطلاق سراحه بعفو ملكي، وضع شكاية أخرى لدى السلطات القضائية في حق الصحفي ومدير نشر الموقع الإلكتروني “بديل” حميد المهداوي، الذي تلقى استدعاء للمثول أمام المحكمة الابتدائية بالرباط يوم 9 شتنبر 2024، متهما إياه ب”بث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة من أجل التشهير بالأشخاص، القذف، والسب العلني” وذلك بناء على الفصول 443، 444 و447 من مجموعة القانون الجنائي…
لذلك تعالت أصوات الإدانة لهكذا خطاب يعتمد توزيع الشتائم كيفما اتفق دون وازع أخلاقي وديني، وتوالت الدعوات المشجعة لوزير العدل على جر ابن كيران هو كذلك للقضاء، في إطار المساواة بين المواطنين ودفاعا عن نفسه وعن رمزية المنصب الذي يشغله، معتبرين أن ما تلفظ به كبير “البيجيديين”الذي لم يفتأ يتمسك بأسلوبه الفج في خرجاته الإعلامية الرعناء ومهاجمة خصومه السياسيين من كبار المسؤولين وحشد الرأي العام ضدهم، لا يسيء فقط إلى وزير العدل عبد اللطيف وهبي ورئيس الحكومة عزيز أخنوش، وإنما يسيء أيضا إليه هو نفسه وحزبه وإلى المشهد السياسي المغربي ككل.
وأمام ما تلفظ به ابن كيران من أقوال خطيرة بلغت حد اتهامه بأنه “وزير الفساد”، خرج وزير العدل عبد اللطيف وهبي عن صمته، متسائلا عما كان يمنع ابن كيران إبان رئاسة الحكومة من وضع قانون يفرض الإدلاء بعقد الزواج عند الولوج للفنادق، ممارسة القمار في واضحة النهار؟ وأكد على أن ابن كيران هو الوحيد وسط رؤساء الحكومات السابقين الذي لا يحترم منصبه ولا يتوقف عن توزيع الاتهامات الباطلة، ثم قال إنه ليس من صفات المسلم الحقيقي الفجور عند الخصام، ومع ذلك يحفظ للصداقة ودها ولا يريد الدخول معه في هكذا نقاش.
إنه بات لزاما على ابن كيران الذي يفترض فيه أن يكون نموذجا يحتذى به في الخطاب السياسي، باعتباره رجل دولة ويقود حزبا”إسلاميا”، أن يراجع نفسه ويعود إلى جادة الصواب، عوض تماديه في خرجاته الإعلامية الرعناء التي تكاد لا تخلو من انحراف وابتعاد عن القيم الأخلاقية والاحترام المتبادل. لأن الارتقاء بالخطاب السياسي يعد عنصرا أساسيا في إعادة الثقة للمواطنين في العمل السياسي، ويحفز على المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية.
اسماعيل الحلوتي