بقلم : البراق شادي عبد السلام
إغتيال الأمين العام لميليشيا حزب الله حسن نصر الله لا يمكن فصله عن سلسلة إغتيالات إستهدفت قيادات سياسية و عسكرية رفيعة المستوى في المحور الإيراني كإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس و الوفاة الغامضة لإبراهيم رئيسي رئيس إيران السابق و إغتيالات إستهدفت قيادات عسكرية هامة في الحرس الثوري و قوات النخبة في حزب الله و هو الأمر الذي يذكرنا بسلسلة العمليات الدقيقة التي نفذتها إسرائيل في نهاية ثمانينيات القرن الماضي بإستهداف قيادات الصف الأول في حركة فتح حيث تم إغتيال أحد مؤسسي الحركة رئيس و الجناح العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية و نائب ياسر عرفات القائد خليل الوزير أبو جهاد بتونس في 16 أبريل 1988 ؛ و قبلها في أكتوبر 1985 نفذ سلاح الجو الإسرائيلي ” عملية الساق الخشبية ” ضد مقر القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط (تونس) إستهدف خلالها أحد أهم إجتماعات منظمة التحرير الفلسطيني موقعا عشرات القتلى من التونسيين ومن القيادات الفلسطينية السياسية والعسكرية و بعدها في 14 يناير 1991 تم إغتيال أبو إياد الرجل الثاني في حركة فتح بعد ياسر عرفات و قائد الأجهزة الأمنية الخاصة لمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح و أحد القيادات الفعلية لمنظمة أيلول الأسود على يد عنصر من منظمة أبو نضال ، حيث أن هذه الإغتيالات كانت جزءا من عملية كبيرة لإسرائيل من أجل إعادة ترتيب المشهد الإقليمي و خلط الأوراق داخل منظمة التحرير الفلسطينية تمهيدا لإتفاقات السلام في أوسلو .
و في نفس الوقت فأن إغتيال نصر الله لا يمكننا إعتباره نهاية للعمليات الأمنية التي تستهدف قيادات و زعامات مناوئة للمشروع الإسرائيلي في الشرق الأوسط و حق دولة إسرائيل في الوجود من منظور تل أبيب ، لذا فتحييد زعيم ميليشيا حزب الله من المشهد السياسي و العسكري في الشرق الأوسط قد يشكل مدخلا أساسيا لتوافق إقليمي جديد ينتج عن خفض تصعيد في مختلف المسارح المفتوحة كجبهات إسناد لحركة حماس في قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر الذي شكل بمقتل زعيم حزب الله اللبناني منعطفا تاريخيا كبيرا في صيرورة الصراع العربي الإسرائيلي منذ حملة الإغتيالات التي نفذها الموساد الإسرائيلي ضد شخصيات سياسية و عسكرية بارزة في حركة فتح تمهيدا لمؤتمر مدريد و إتفاقات أوسلو للسلام كما أسلفنا سابقا .
الأكيد أن غياب حسن نصر الله و إسماعيل هنية و إبراهيم رئيسي عن مسرح الاحداث في الشرق الأوسط قد يفتح ممرات آمنة أمام كل دعاة السلام لإقناع أغلب الأطراف المتحاربة إلى الجلوس في طاولة المفاوضات و البحث عن تفاهمات قد تستطيع تجنيب المنطقة شبح حرب شاملة مدمرة فسيناريو الحرب الشاملة يظل خيارا مرفوضا من مختلف الأطراف الإقليمية و الدولية الفاعلة في الملف فلا توجد دولة في خط المواجهة تريد أن تتحمل تداعيات هذا الحرب فتصعيد الموقف العسكري مع إسرائيل في لبنان إلى غزو بري شبيه بحرب يونيو 1982 يعني تكرار الفظائع التي إرتكبتها آلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة مستهدفة المدنيين و الأطفال و النساء و دور العبادة و المستشفيات و هو الوضع الغير مقبول دوليا و إقليميا .
بقاء حسن نصر الله في قيادة ميليشيا حزب الله بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر كان يعني حربا شاملة بين إسرائيل و إيران و أدواتها في المنطقة و بشكل خاص بعد إستنساخ نموذج حزب الله في عهد حسن نصر الله من طرف الميليشيات الشيعية المسلحة في العراق و اليمن و سوريا و بشكل خاص حركة النجباء في العراق بقيادة أكرم الكعبي و عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي و ميليشيا أنصار الله في اليمن بقيادة عبد الملك الحوثي و لواء فاطميون في سوريا و بالتالي فغيابه عن المشهد قد يؤجل هذه المواجهة المرتقبة و يفتح الطريق أمام جهود السلام لوقف الحرب المدمرة و إسكات البنادق .
إستهداف حسن نصر الله بقصف جوي يمكننا إعتباره إغتيالا تقليديا لشخصية بارزة بترتيبات أمنية خاصة و لا يختلف كثيرا عن الطريقة التي أغتيل بها القائد الثاني لحزب الله عباس الموسوي قبل ثلاثة عقود بعد إستهداف موكبه من طرف مروحيات الأباتشي الإسرائيلية في جنوب لبنان سنة 1992 ، فالمعروف أن البروتوكول الأمني لحسن نصر الله كان يخضع لمعايير و قوانين صارمة مخافة إصطياده من طرف إسرائيل أو أحد عملائها في داخل لبنان حيث عمدت المخابرات الإيرانية على وضع نظام أمني معقد و متداخل لتأمين حسن نصر الله حيث توزعت هذه المهمة بين مهام القائد العسكري الأعلى لـ”حزب الله” ورئيس الأجهزة الخاصة “مصطفى بدر الدين” الذي قتل في سوريا و خلفه في منصبه فؤاد شكر و نائبه إبراهيم عقيل الذي تم تحييدهما في غارة إسرائيلية في الأسبوع الماضي ، ومستشار شؤون الاستخبارات “خليل حرب” الذي خلفه حسن خليل ياسين المسؤول في ركن الاستخبارات في حزب الله و رئيس الوحدة المسؤولة عن تحديد أهداف عسكرية ومدنية على خط التماس وفي عمق إسرائيل ، ورئيس الأمن المركزي و المسؤول عن وحدة الإرتباط والتنسيق في حزب الله “وفيق صفا” ورئيس جهاز الأمن والحماية الخاصة “أبو علي جواد”، ورئيس المجلس التنفيذي للحزب ” هاشم صفي الدين”، وابن شقيقه وخليفته والمقرب منه المعاون السياسي لحسن نصر الله “حسين الخليل” ، و رغم هذا التنظيم الأمني المحكم فقد إستطاعت أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية زرع عملاء لها في عمق الهيكل الأمني و السياسي للحزب فقبل سنوات إكتشفت أجهزة مكافحة التجسس الإيرانية إختراقا كبيرا في عمق القيادة العليا لحزب الله حيث تم الكشف عن عميل ضمن صفوفه يدعى محمد شوربة بالإضافة إلى عمله في تأمين حسن نصر الله كان يتولى مسؤولية التنسيق في وحدة العمليات الخارجية المرتبطة بالامن العسكري للحزب ، والتي تعرف بالوحدة 910 المسؤولة عن «العمليات الامنية» التي ينفذها حزب الله خارج الاراضي اللبنانية برتبة معاون أمني وهي تعادل رتبة كولونيل في الجيوش النظامية الحديثة .
الملاحظ أن الآلة الأمنية و الإستخباراتية في حزب الله إرتكبت أخطاء كبرى حيث نجحت إسرائيل في إختراق الحزب أمنيا بصورة غير مسبوقة وعلى نحو عميق فالمؤشرات الأخيرة تؤكد أن حزب الله يعاني من تغلغل إسرائيلي متقدم في صفوفه و ما أدل على ذلك عملية ” البيجر ” حيث قامت إسرائيل بإستهداف أكثر من 3500 من القيادات العليا و المتوسطة لحزب الله في تفجيرات متزامنة بعثرت أوراقه الأمنية و الإستراتيجية و مهدت الطريق نحو الإغتيال الصادم لحسن نصر الله حيث من الغريب أن يقوم الحزب بشراء أجهزة الـ”بيجر” واللاسلكي من نوع ICOM من دول أخرى غير حليفة بمبلغ يفوق المليون ومائتي ألف يورو في الوقت الذي من الممكن أن يتم تصنيعها محليا أو إستيرادها من إيران بكلفة أقل وبدرجة أعلى من الأمان ، و التفسير الوحيد أمامنا هو أن الفساد المالي قد تغلغل بشكل كبير في هياكل الحزب مما فتح ممرات آمنة لدخول الموساد إلى عمقه القيادي و بشكل خاص شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، وبالأخص الوحدة 8200 المتخصصة في التنصت وجمع المعلومات بوسائل إلكترونية و الوحدة 9900 المسؤولة عن الاستخبارات البصرية وتحديد المواقع الدقيقة للأهداف ، والوحدة 504 التي تقوم بتشغيل العملاء على الأرض و توجيه السكان اللبنانيين لتجنب الضرر، كما أن إعلان الجيش الإسرائيلي لمقتل نصر الله قبل الحزب بساعات و كذلك نفس الشيئ بالنسبة للرجل الثاني في التنظيم فؤاد شكر حيث أكد الجيش الإسرائيلي مقتله قبل إعلان حزب الله مما يؤكد أن إختراق الموساد لازال مستمرا في التنظيم .
إغتيال الأمين العام لميليشيا حزب الله الشيعي له دلالات عديدة أهمها أن المرشد الأعلى في طهران فقد أهم رجاله في منطقة الشرق الأوسط وأحد الأعمدة الخرسانية التي تقف عليها أسطورة الولي الفقيه إقليميا و قد يتطلب الحزب وقتا كبيرا لإعادة إنتاج بروفيل جديد بكاريزما و حضور حسن نصر الله و لا أعتقد ان النسخ الرديئة لنصر الله في اليمن و العراق و سوريا و في لبنان تستطيع أن ان تملأ الفراغ التواصلي الذي سيتركه الرجل حيث كان هذا الأخير يلعب من خلال خطاباته الحماسية نفس الدور الذي يلعبه مخدر الكابتاغون في تهييج مشاعر أنصاره في الضاحية الجنوبية لبيروت طوال عقود من سيطرة الميليشيا الشيعية على الحياة بها ، فحزب الله في عهد حسن نصر الله تحول إلى ذراع إيرانية مؤثرة في إستقلالية القرار السيادي الوطني اللبناني و حول الضاحية الجنوبية إلى مقاطعة تابعة لبلدية طهران و الجنوب اللبناني إلى مقاطعة إيرانية و الدليل هو حضور عباس نيلفوروشان نائب قائد العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني في أجتماعات مكثفة قبل تحييده هو الآخر في نفس الأنفجار الذيأودى بحياة نصر الله .
اليوم المشهد الإقليمي يتجه نحو غزو بري إسرائيلي لجنوب لبنان قد ينتهي عند حدود نهر الليطاني من أجل تطبيق بنود القرار الأممي 1701 و إجلاء صواريخ و رجال الحزب إلى ماوراء النهر ، و إذا كانت حرب لبنان الثانية قد إستمرت أربعة و ثلاثين يوما في يوليوز 2006 فإن طول الحرب القادمة يعتمد أساسا على حسابات الموقف الإيراني من هذه الحرب و هل ستعمل إيران على الحفاظ على القدرات التدميرية و القتالية للحزب و تأجيل المواجهة إلى السنوات المقبلة خاصة و هي على بعد خطوات إستراتيجية قليلة لإنتاج قنبلة نووية قد تكون سببا في إندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط بحيث يكون حزب الله كما هو حاله أحد أدوات الردع الإستراتيجي الإيرانية في خاصرة إسرائيل .