جمال الفكيكي
قاد حملات على مظاهر الترييف ونجا بأعجوبة من حادث دهس من قبل “بزناسة”
بصم الكولونيل المتقاعد جمال خطابي، على مشوار بارز طيلة مساره المهني، في جميع المهام التي تقلب فيها في 12 مدينة وإقليما. كرس خلال ثلاثة عقود من العمل، في ثكنات القوات المساعدة، الأمن والاستقرار داخل المناطق التي عمل فيها، حيث مارس مهامه بين المواطنين، وأشعرهم بأنه بينهم للفصل في منازعاتهم بالتي هي أحسن دون اللجوء إلى استعمال القوات العمومية إلا استثناء، حتى ذاع صيته بين الناس أنه ” المسؤول اللين في غير ضعف والصلب في غير عنف”. ترك خطابي بصمات مازالت أزقة الحي الحسني ودرب السلطان بالبيضاء والخميسات والعرائش وإمزورن تشهد عليها.
أطلق جمال خطابي صرخته الأولى خلال 1958 في أجدير بإقليم الحسيمة. تلقى تعليمه الابتدائي بمجموعة مدارس دار السلوم بالمنطقة نفسها، وانتقل إلى الحسيمة، حيث تابع دراسته الإعدادية والثانوية، بثانوية أبي يعقوب البادسي، التي درس بها العديد من الشخصيات البارزة في الحسيمة كالدكتور نجيب الوزاني، رئيس المجلس الجماعي للحسيمة، ومحمد أحلات، العميد السابق لكلية الطب بطنجة، وبنتهامي العاقل، العامل السابق على إقليم الناظور، وعبد السلام الحتاش عامل إقليم كرسيف، وغيرهم. بعد نجاحه في شهادة الباكلوريا خلال 1980، التحق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس لدراسة الأدب الفرنسي، غير أن ظروفا خاصة حالت دون استمراره في الجامعة، مما دفعه للالتحاق بالأكاديمية العسكرية بمكناس، التي تخرج منها ملازما في 1985 بعد ثلاث سنوات من الدراسة النظرية والتطبيقية.
30 سنة من العمل في 12 منطقة
عين خطابي بعد تخرجه من الأكاديمية العسكرية بمكناس، بمنطقة فكيك مكلفا بحراسة الحدود، ومنها تم تنقيله إلى طنجة مكلفا بحراسة الشواطئ، حيث عمل على تضييق الخناق على مهربي البشر والمخدرات، ماجعله يتعرض لمحاولة دهسه من قبل هؤلاء حين كان على متن سيارة تابعة للقوات المساعدة نجا منها بأعجوبة. وبعد قضائه سنتين بطنجة، عين في مصلحة المخزن الإداري بالخميسات وقبطانا في المهام نفسها بتطوان ثم سوق أربعاء الغرب، ليعود إلى طنجة حيث عمل في الحرس البلدي والمخزن الإداري. وأسندت لخطابي في ما بعد القيادة الإقليمية للقوات المساعدة بصفرو، ثم مجموعة المخزن المتنقل بعين حرودة. غير أن أبرز فترة في مساره المهني هي التي قضاها بالحي الحسني ودرب السلطان بالبيضاء، قائدا إقليميا، ثم نائبا جهويا بعمالة آنفا، ثم قائدا بالعرائش والخميسات والقنيطرة، إلى أن ختم مساره المهني بإمزورن بإقليم الحسيمة قائدا جهويا في 2017، وهي السنة التي تزامنت مع الحراك الشعبي بالريف.
تجارب ومخاطر
لم يكن المسار المهني لخطابي مفروشا بالورود، فقد مر من تجارب خطيرة أثناء أدائه مهامه وواجبه المهني في حراسة الحدود بمنطقة فكيك والشواطئ بمنطقة الشمال، وكذا خلال الحملات التي قادها بالعرائش والبيضاء على البناء العشوائي واحتلال الملك العمومي. فلم يكن يتساهل مع هذه الظواهر ومرتكبيها ومخالفي القوانين، حيث عمل على هدم مجموعة من “البراريك” بالعرائش والبيضاء، ولم يكن يلجأ إلى استعمال القوات العمومية إلا في حالات استثنائية، ما جعله يدخل في بعض المواجهات مع مواطنين، سرعان ما تمكن من السيطرة على الوضع بحنكته، ولجوئه إلى حسن التفاوض والإقناع لامتصاص الغضب، خاصة مع المحتجين. وكان يلقب من قبل البعض بـ”رجل المهمات الصعبة بامتياز” أو “الرجل المتمكن” و”رجل الحلول”. ويحكي خطابي أنه نجا بأعجوبة من حادثة سير، حيث عمد تجار المخدرات الذين كان يضيق عليهم الخناق حين كان مكلفا بحراسة الشواطئ بمنطقة طنجة، إلى محاولة دهس سيارته التي كان على متنها. كما يحكي خطابي عن وقفة احتجاجية لسائقي سيارات الأجرة بمنطقة “كالابونيطا” بالحسيمة، إذ تمكن من إقناع قائد الدرك الملكي بعدم استعمال القوة لتفريق المحتجين، لأن ذلك سيدفعهم للهروب نحو مرتفع ويعمدون إلى رشق القوات العمومية بالحجارة وهو الأمر الذي ينبغي تفاديه. وخلال المدة التي قضاها بفكيك مباشرة بعد تخرجه من الأكاديمية العسكرية بمكناس، كان خطابي يقوم بواجبه المهني، خاصة أن المسؤولية كانت جسيمة لحساسية المنطقة. ويحكي أنه رفض يوما طلب مواطنين جزائريين كانوا يقطنون قرية بني ونيف لاحتساء الشاي معهم.
كفاءة وقيم
يشهد الجميع للكولونيل خطابي بقدرته العالية وكفاءته التواصلية، “كان مسؤولا ذا خصال مهنية عالية وقيم إنسانية رفيعة”، ” فهو إلى جانب إنسانيته الراقية، يمتاز بالكفاءة والمسؤولية والإخلاص والانضباط والحزم والالتزام بالعمل الدؤوب”، عبارات قالها في حقه أحد أصدقائه.
ويحكي خطابي أنه طيلة مساره المهني لم يعرض أحدا من صفوف القوات المساعدة للتأديب، رغم ما يصدر عنهم من أخطاء يلجأ إلى تصحيحها بالتي هي أحسن، حتى لا يكون مصير المعني بالأمر التوقف عن عمله. كان خطابي موضع ثقة من قبل مسؤوليه الكبار، حيث كلفه المفتشون في العديد من المرات ليكون مسؤولا عن اختيار الراغبين في الانخراط في صفوف القوات المساعدة على الصعيد الوطني. ويحكي خطابي عن التوجيهات التي كانوا يتلقونها من المسؤولين الكبار خلال اجتماعات رسمية، كالمرحوم حميدو لعنيكري والجنرال دوبريكاد عبد الرحمان لحريزي والجنرال حدو حجار.