بقلم عبد العزيز حيون
استفزتني في الآونة الأخيرة مطالب “تنظيمات” لأصحاب الطاكسي بتطوان وطنجة ، وهي تدعو بإلحاح كبير الى رفع تسعيرة التنقل والسومة المخصصة لذلك ،وكأن المواطن هو الذي عليه أن يتحمل أوزار ما يحدث من زيادات وما تعرفه قطاعات وخدمات ومنتوجات من غلاء يثقل كاهل المواطن أولا وأخيرا . في رأيي على “منظري” (من التنظير) قطاع الطاكسيات التفكير ، أولا ، في الرقي الخدماتي لهذا المجال الحيوي الذي لا زبون له إلا المواطن البسيط الذي يكد ويجتهد لضمان لقمة عيش شريفة له ،إلا ما كان من شأن قلة قليلة من الشريحة الغنية التي تحتاج الى الطاكسيات في أوقات وظروف محدودة ونادرة .
وثانيا، على “المنظرين” والسائقين وأصحاب “اللاغريمات” ( مأذونيات النقل ) الرقي بالقطاع وتوفير شروط نجاحه وتطوره ،لأننا مقبلون على تظاهرات قارية وعالمية كبرى تحتاج منا إلى جهد إضافي، حفاظا على كرامة الزبناء وسمعة البلاد التي تعول على هذه التظاهرات لتكون الانطلاقة الحقيقية لجعل السياحة كرافد مهم من روافد الاقتصاد الوطني وكقطاع يحتوي قطاعات أخرى لا تقل أهمية ،كالتشغيل والصناعة والصناعة التقليدية وقطاعات أخرى خدماتية كثيرة ومتنوعة ، أمام اشتداد المنافسة العالمية قد لا نستطيع مواجهتها إلا بتضافر كل الجهود وتضحيات جسام .
ثالثا ،لا ينسى أصحاب الطاكسيات أننا دخلنا عالما آخر اليوم بظهور “تطبيقات النقل الذكية” مغرية ومناسبة ومفيدة للزبون ،وبالتالي على “المنظرين” أن يستوعبوا شعارا خالدا في قطاع الخدمات مضمونه “نكون أو لا نكون”، مع ازدياد تفضيل الناس لهذه التطبيقات المشجعة التي تراعي خصوصيات الناس وتحترم رغباتهم.
ورابعا، لم يعد المواطن العادي يتحمل سلوك غالبية سائقي الطاكسيات، وهو القطاع الذي كثر فيه “الهواة”، الذين سقطوا سهوا أو عمدا في هذا المجال الحيوي والذين يصدق عليهم قوله تعالى “الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد”، لتعم العشوائية والممارسات الملتوية والشاذة، في قطاع من المفروض أن يكون قطاعا تصان فيه كرامة المواطن ويعطي صورة إيجابية عن أخلاق المغاربة وقيمهم الاجتماعية والدينية المثلى .
وأعتقد أن إصلاح القطاع في حاجة إلى جهد مهني داخلي نابع من غيرة المهنيين وسعيهم للتصحيح والتقويم قبل أن نحتاج إلى تغيير تشريعي يقوم على الزجر والمعاقبة، وإن كان إصلاح فصول من مدونة النقل التي تعني قطاع الطاكسيات في حاجة إلى إعادة النظر وتحقيق تغيير مفيد تروم إنهاء الفوضى السلوكية والتدبيرية التي يعرفها المجال، ولما لا التعلم والاستفادة من تجارب جيراننا، وما هم منكم ببعيدين يا أصحاب الطاكسيات.
فعلا نحن الآن في حاجة ماسة لتأهيل قطاع نقل الطاكسيات وتغطية الفراغ القانوني الحاصل فيه، الذي يعج بالمشاكل والتجاوزات والإخفاقات والصراعات والمطاحنات، التي تعوق القطاع ليكون فعلا فاعلا أساسيا في منظومة النقل الوطنية والجهوية والمحلية، كما لابد لنا من مقتضيات قانونية واضحة لزجر سلوكات الكثير من أصحاب الطاكسيات، إلا من رحم ربك ، باعتراف المهنيين أنفسهم.
فعلا ،قطاع الطاكسيات لا يحتاج فقط الى تقويم سلوك وممارسات السائقين بل يحتاج أيضا الى تنظيم العمل وضبطه والتنصيص صراحة ،في إطار مدونة سير منقحة ومتقدمة ، على حقوق وواجبات مهنيي القطاع ، التي لا تضبطها حاليا إلا “قرارات عاملية” ،والتي مداها هو حجز المركبة إذا ثبت في حق سائق مهني أنه ارتكب مخالفة ما أو حين يجرى الامتناع عن نقل مواطن ،الذي من حقه أن يقدم شكاية إلى المصالح الأمنية . وقد أثارت تصريحات وزير العدل ،عبد اللطيف وهبي، مؤخرا ، بشأن العقوبات التي تنتظر أصحاب “الطاكسيات” الذين يرفضون نقل المواطنين إلى وجهاتهم في مشروع القانون الجنائي الجديد وتحويل السلوك المشار إليه لبعض السائقين إلى جنحة أو جريمة، (أثارت) موجة من الغضب لدى المهنيين لكنها ربما “أفرحت” الكثير من المواطنين الذين يعانون من هذه السلوكات السلبية.
وإن كنت لا أرى داعيا لسن تشريعات تصل إلى مستوى الجريمة وتكييفها على هذا المستوى ،فأنا مع تشريع ضبطي صارم ومواكبة النصوص التشريعية لواقع وتطور القطاع وبروز اكراهات ومعطيات جديدة ، خصوصا ما يتعلق بشروع السائقين في استخدام تطبيقات التنقل الحضري ،التي تمنح حمل زبائن آخرين غير طالبي خدمة التوصيل.
ولا يمكن أن نحمل المواطن تداعيات التحولات الحاصلة في هذه الظرفية الاقتصادية الخاصة وضعف مداخيل أصحاب الطاكسيات وارتفاع تكاليف المحروقات وتفاقم نفقات الصيانة الخاصة بالسيارات وعدم الاستفادة من “الغازوال المهني”، وهي أمور يجب أن تناقشها وتتحاور بشأنها التنظيمات النقابية والمهنية مع الذين يدبرون الشأن العام بشتى مستوياتها . على أصحاب الطاكسيات أن يمتلكوا روح عقيدة مفادها أن الزبون يجب أن يحترم ويعامل المعاملة اللائقة وأن لا يبتز ويهان ويتعرض للمضايقات، فهو في نهاية المطاف الزبون الذي يمكنك من الدخل القار والعيش الكريم ويعطي للقطاع قيمة اعتبارية في حال استحق ذلك. فاتقوا الله يا أصحاب الطاكسيات في المواطنين وتجنبوا غضبهم، خاصة وأن القطاع في تغير مستمر وقد يأتي يوم يتاح للمواطن الاختيار الواسع، أو لربما لن يكون في حاجة إلى سائق أصلا، كما يحدث الآن في كوكب دول العالم المتقدم، فيما نحن تعمل “طاكسياتنا” بلا عدادات.