من المؤلفات التي حظيت باهتمام كبير في معرض مدريد الدولي للكتاب، الذي اختتم يوم 15 يونيو الجاري، برز كتاب “إلى جنوب طنجة…رحلة إلى ثقافات المغرب” للمؤلف الإسباني “غونزالو فرنانديز باريا” كأحد الأعمال التي قدمت رؤية جديدة وغير تقليدية عن المغرب، انطلاقًا من تجربة ميدانية ومعايشة إنسانية عميقة، تستند إلى فهم واقعي وراصد لتفاصيل الجنوب المغربي، بعيدًا عن الصور النمطية الجاهزة.
يقدم المؤلف، وهو أستاذ جامعي مختص في العلاقات الثقافية العربية الإسبانية، عملًا سرديًا يمزج بين الرحلة والتأمل، حيث يقترب من اليومي المغربي برؤية حوارية منفتحة، يستعرض الكتاب، الواقع في 176 صفحة، مشاهدات من مدن الشمال، خاصة طنجة وتطوان ونواحي الريف، حيث تتقاطع الحكايات الصغيرة مع أسئلة الهوية، وتنبثق من التفاصيل اليومية صور جديدة لمجتمع غني بتعدديته وحيويته.
وقد عبّر المهتمون الذين حضروا تقديم الكتاب عن تقديرهم لهذا الطرح المتزن، الذي لم يقع في فخ التعميم أو التغريب، بل جسد تجربة تواصل ثقافي صادق، واعتُبر الكتاب بمثابة مرآة جديدة للمغرب كما يراه باحث عاش في تفاصيله، وليس كزائر عابر. وقد شكّل العمل مساهمة نوعية في النقاش الإسباني حول العلاقة مع الضفة الجنوبية للمتوس
تم تقديم الكتاب داخل رواق Balqís، أحد الأروقة البارزة في المعرض، والذي تشرف عليه مؤسسة Casa Árabe، المعروفة بمبادراتها الثقافية الرامية لتعزيز الحوار مع العالم العربي، وقد نُظمت جلستا توقيع يومي 31 ماي و7 يونيو، بحضور المؤلف وعدد من الزوار، من باحثين وطلاب ومغاربة مقيمين في إسبانيا، مما أتاح نقاشًا مفتوحًا حول مضامين العمل ودلالاته الثقافية.
الرواق الذي احتضن هذا الحدث شهد تفاعلًا لافتًا من الجمهور مع المؤلف، خاصة في النقاشات التي تبعت التوقيع، حيث طُرحت أسئلة حول التصورات المتبادلة بين المغاربة والإسبان، ودور الأدب في تصحيح التمثلات الخاطئة، واعتُبر الكتاب من أبرز ما عُرض في الرواق من حيث الحضور والتفاعل، لما يحمله من جرأة فكرية وصدق إنساني.
يعكس هذا العمل، ضمن أعمال أخرى عُرضت في المعرض، التحول التدريجي في الخطاب الثقافي الإسباني حول المغرب، من منظور أكثر قربًا ومساءلةً للذات، ويؤكد الحضور القوي للكتاب داخل المعرض على الدينامية المتزايدة في بناء مسارات ثقافية تشاركية، قوامها المعرفة والتفاهم بدل الأحكام المسبقة.