محمد الزياني
استهلال:نغتنم فرصة انعقاد الجمع العام المقبل (06 /04/2025) لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة ، لتذكير الجيل الحاضر بأبرز المحطات التي يزخر بها سجل هذا الفرع عبر تجاربه المتعاقبة على مدار 35 سنة من المثابرة والتضحية والاشتغال على الملفات الساخنة من اجل إعلاء قيم حقوق الإنسان وحمايتها والنهوض بها بهذه المنطقة العزيزة… وإن اندرج هذا ضمن صون ذاكرة الفرع ومجده التليد ، إلا أن المناسبة تقتضي في جانبها الأساسي المطارحة الصريحة والتّسآل المحفزين على المكاشفة والاعتراف المتبادل بالمثبطات والإكراهات الذاتية والموضوعية التي تعرقل عمل الجمعية وطنيا وفرع الحسيمة تحديدا.. عسى أن يشكل ذلك سمادا لإنعاش وإخصاب ما تبقى من أمل التجاوز للوضعية الراهنة واستئناف المسير تحت قساوة التحديات التي تحاصر إطارنا الحقوقي ـ مركزا وفروعا ـ من كل حدب وصوب بنية النيل من خطه الحقوقي و إخماد شرارة نضاله المستميت من أجل تسييد قيم الحرية والديمقراطية و الكرامة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان ف” المغرب وفكول مكان”
الجزء الأول:
1ـ الانطلاقة وحماس التأسيس :
ـ لايجادل احد منا فيما شكله تاسيس فرع الجميعة المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة 1990 /1991 من حدث حقوقي متميز بالمنطقة ، والذي سرعان ما أثبتت مسيرته النضالية نبل المهام التي اضطلع بها في مواجهة مختلف الوضعيات التي مرت بها المنطقة المثخنة بجراح ومآسي زمن الجمر والرصاص الممتدة بعض مظاهره إلى حاضرنا المعيش..
وبالمثل ، لا يسع لأي جاحد التنكر لدور هذا الفرع في لمّ شمل مختلف الحساسيات السياسية والنقابية والمدنية والفكرية بالإقليم للاهتداء سويا إلى الاشتغال على موضوعة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتي تجلت عندنا في قمع مسترسل لشرارة الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية التي وسمت تاريخ الريف الحديث والمعاصر ضد سياسة القهر والتهميش والحكرة والإقصاء .. والتي ووجهت بأعتى آليات القتل والاختطاف والاغتيالات التي امتدت من 1956 (نموذج ملف حدو أقشيش ورفاقه ) مرورا ب 1958/59 ـ 1984 ..واعتقالات 1987 ـ 1990 وصولا إلى حركة 20 فبراير 2011 وحراك الريف2017/ 2016 وما تداعى عنه من تطورات لازالت الحسيمة ، والريف عموما ، تئن تحت وطأتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
في ذات السياق ظل الفرع مواظبا على تتبع وضعية معتقلي المنطقة بنفس الحرص الذي تابع به أحوال باقي المعتقلين السياسيين عبر مختلف المواقع السجنية إلى غاية الإفراج عنهم عبر دفعات أولاها 1984و 1990 و1992 ثم 1994 مع عودة المنفيين إلى أرض الوطن : منهم الإخوة الثلاثة من آل المرابط أبناء المنطقة.. حيث هب الفرع معية باقي الهئات والإطارات الديمقراطية إلى احتضانهم واستقبالهم من خلال مهرجانات عمومية تليق بحجم تضحياتهم وصدق إيمانهم بعدالة قضية الشعب المغربي في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، وكان ذلك تمهيدا لما سيأتي من تطورات حقوقية اتخذت لنفسها رسميا شعارات ” الإنصاف والمصالحة ” “جبر الضررالفردي والجماعي” ” العدالة الانتقالية “و ” جلسات الاستماع ” التي أبدعت الجمعية بدورها صيغتها المثلى التي شهد فرع الحسيمة وقائع إحداها(الجلسات)..
كما تابع الفرع غداة هذه الفترة ، اشتغاله على وضعيات ناطقة بمآسيها الاجتماعية : ملف حرية التعبير والاعتقال السياسي و الهجرة السرية وحرمان المواطنين من جوازات السفر وتظلمات الشطط في استعمال السلطة … مبينا للراي العام حقيقة المعاناة الناجمة عن تغليب المسؤولين للمقاربة الأمنية في مواجهة المطالبين بأبسط الحقوق المنصوص عليها في العهود والمواثيق الدولية كما في التشريعات المحلية ..
تلكم اهم الملفات الثقيلة التي واجهت فرع الحسيمة وهو يخطو خطواته التأسيسية الأولى كاشفا اعتباطية السياسة الرسمية المخلة بقواعد التدبير المحكم في تعاطيها مع طبيعة هذه الملفات المذكورة.
وعملا ببنود العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، انشغل الفرع بالحقوق الشغلية بمؤازرته لبحارة ميناء الحسيمة في مختلف محطاتهم النضالية دفاعا عن مطالبهم المشروعة وحقهم في العيش الكريم ، تماما كما تتبع وضعية عمال وعاملات بعض الوحدات الإنتاجية والصناعية بالإقليم : الحلويات والحليب و معمل صناعة الآجور بوادي غيس ..وغيرها … بعد أن شكل على الدوام حاضنة مركزية لكل المبادرات الجماعية التي تهم الشأن العام المحلي والإقليمي ، مساهما ومبادرا في خلق أكثر من تنسيقية منها “تنسيقية مناهضة الغلاء والدفاع عن المجالات العمومية” التي انكبت على كشف خبايا (صفقة محطة تصفية المياه العادمة بصبيديا ) وصاغت بصددها مذكرة تاريخية لوزير الداخلية أنذاك تسائله عن فحوى ومرامي هذه الصفقة وقيمتها المالية على ضوء أولويات االنهوض بالإقليم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ..
كما انخرط الفرع في تتبع فواجع الهجرة السرية المتكررة ومآسي عائلات الضحايا بما استلزمه ذلك من دعم ورصد الخروقات وتبيان الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تلقي بجيوش الشباب في أتون مغامرات الموت هربا من جحيم البطالة والقمع والحرمان من أبسط حقوق العيش والمواطنة ، فاضحا في ذات الوقت ، خيوط المؤامرات الخفية والعلنية للوبيات المتاجرة بمآسي هؤلاء الشباب . وقد كان هول فاجعة ليلة الجمعة 05 /02/1992 التي اودت بحياة20 شابا من أبناء المنطقة في عمق البوغاز من أهول الفواجع التي تتبع الفرع تفاصيلها التي تعكس مسا فظيعا بالحق في الحياة كأقدس الحقوق التي تتبوأ أولوية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وبصدد هذه الفاجعة ، صاغ الفرع تقريرا مدققا (استند في جانب مهم فيه على شهادة حية لأحد الناجين من الكارثة ـ امحمذبوحذيذ ـ ) وقد ،تناقلته ،على نطاق واسع ،مختلف المنابر الإعلامية الوطنية والدولية ، جعل إحدى برامج القناة الثانية ” لقاء” تستضيف ممثل فرع الحسيمة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان الفقيد أحمد البلعيشي ، للتداول ومطارحة حيثيات الحدث وتداعياته على الوضعية الحقوقية بالمنطقة ، غير أن سياسة تكميم الأفواه وقمع الأصوات الحرة ، كانت سيدة الموقف ، فتم اعتقال البلعيشي والزج به في السحن بعد محاكمته بسنتين سجنا فيما سمي وقتذاك ب” قضية البلعيشي معتقل2M “..
كما يسجل للفرع تجنده بكامل ثقله لتتبع وقع الكوارث الطبيعية التي اجتاحت المنطقة وانخراطه العضوي للتخفيف من مأساة وهول الزلزالين اللذين ضربا إقليم الحسيمة على التوالي في 1994 و2004 برصد أثر الكارثتين على الإنسان والمجال ، وراح يفضح مختلف الخروقات التي شابت توزيع الدعم والمساعدات الإنسانية على المنكوبين مدافعا عن حقهم في سكن لائق ضمن ما سمي ب”برنامج إعادة الإعمار ” ، وظل الفرع مرتبطا بهذا الملف و بتطوراته اللاحقة التي سرعان ما اتخذ منحى سياسيا باعتقال محتجين من المنكوبين ومحاكمتهم على إثر تعرض مسيرتهم السلمية (الخميس الأسود بتماسينت 2005) لتدخل قمعي شرس لم ينج من قسوته ممثلو الفرع أنفسهم الذين نالوا حصتهم من العنف الجسدي والرمزي…
ومن أهم ما وثقه الفرع في هذا الصدد ، إنجازه لملف خاص لجريدة التضامن حول زلزال 1994..وآخر حول زلزال 2004 عمما معا على وسائل الإعلام الوطنية والدولية ، مع ملف شامل حول الحق في بيئة سليمة عبارة عن جرد شامل لما يتميز به الإقليم من مؤهلات طبيعية وغنى إيكولوجيفريد يستوجب الحماية ضمانا لحق الأجيال القادمة في بيئة سليمة ، مبينا من جهة أخرى ما يهدد هذه البيئة المحلية من خطورة التلوث الذي تسببه بعض البؤر والنقط السوداء كمزبلة سيدي عابد التي انخرط الفرع مبكرا، عبر لجنة البيئة، في حملات مكثفة من أجل تخليص المدينة ـبرا وبحرا ـ من سمومها النفاثة ( هذا التقري حضي باستحسان كبير من لدن الجمعية مركزيا التي سرعان ما أدرجته ضمن تقريرها السنوي لدقة مقاربته العلمية والحقوقية ) مع غيره من تقارير ميدانية غطت مجالات حيوية ، كالصحة بالإقليم التي سبق للفرع أن كشف عما يتخبط فيه هذا القطاع من مشاكل خطيرة تحرم فئات واسعة من المواطنين من حق استفادتهم من خدماته التي لا تستجيب أصلا للحاجيات الأساسية ، سواء على مستوي البنيات والمرافق والتجهيزات الضرورية كما على مستوى الموارد البشرية و ندرة / غياب الأطر الطبية المتخصصة الكفيلة بمواجهة أوجاع المواطنين وعللهم .. ونفس الشيء بالنسبة للحق في السكن والتعليم الذي بادر الفرع بخلق نوادي لحقوق الإنسان بالمؤسسات التعليمية في إطار اتفاقية الشراكة التي تمت بين الجمعية ووزارة التعليم وقتذاكوغيرها من وضعيات تخص المرأة والطفل والتنمية ….
وعلى مستوى الحقوق الثقافية ، بادر الفرع إلى تتبع ملف حرمان جمعيات مدنية من وصولات الإيداع القانوني ومنع أنشطتها المتنوعة أبرزه المنع التعسفي الذي استهدف ندوة فكرية من تنظيم جمعية نوميديا الثقافية بالحسيمة (بعد الترخيص لها كتابة ) في محور ” عبد الكريم الخطابي والمقاومة في الريف ” ايام 24/25/26 مارس 1995 ولايزال بيان الفرع معية كل الهيئات الديمقراطية المتضامنة شاهدا على هذه السابقة مثله في ذلك مثل بيانات أخرى عقب قرار منع الأسامي الأمازيغية …
إن الدينامية التي ميزت عمل الفرع على هذا المستوى ،هي استمرارية لذات الحماس والفعالية اللتان أبان عنهما إبان التأسيس الذي صادف مشاركة منتدبيه لأول مرة في أشغال المؤتمر الوطني الثالث للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط 6/7/8 دجمبر 1991 حيث تقدم الفرع بمذكرته المطلبية حول الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية ، ولم يكن من الهين ـ وقتذاك ـ أن يتبناها المؤتمر ، لولا استماتة ممثلي الفرع في الدفاع عن مضمونها ضمن أشغال اللجن و الجلسات العامة، وقد شكلت المذكرة تلك ، مع قضايا مماثلة ، أولى الملفات التي دشنت بها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نقلتها النوعية في تفعيل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بعدما ظل اشتغالها ـ لزمن ـ منحصرا في حدود الحقوق المدنية والسياسية ، لما تميزت به هذه الحقبة الممتدة من التأسيس 24يونيو 1979 إلى غاية 1991 مرورا بسنة 1989 من ظروف استثنائية (مشابهة إلى هذا الحد أو ذاك للحالية) ميزتها حملات القمع والاعتقال السياسي التي لم تستثن مسؤولي الجمعية أنفسهم ، وما رافق ذلك من استهداف الحقوق والحريات بشكل صارخ ..مما يعزز اعتبارنا المؤتمر 3 هذا بداية فعلية لانبعاث واستعادة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وطنيا لعافيتها ضمن استراتيجية قائمة على وضوح المبادئ والتوجه ، قوامها تطوير اسلوب عملها والتوسع التنظيمي والحرص على انتظام مؤتمراتها وتجديد هياكلها المركزية والفرعية …(يتبع)