بقلم: عبد العزيز حيون
سارعت بل وهرولت أحزاب مغربية في الأيام الاخيرة الى فتح “حوار” مع جيل الشباب، الذي يطلق عليه “جيل Z” فيما هو يضم أيضا “جيل Y” الذي قبله و”جيل ألفا” الذي بعده مباشرة، وهي الأجيال التي من المفروض أن تكون “ترعرعت” في مختلف تنظيمات الأحزاب ،ومن المفروض أن تكون متشبعة بالحوار الداخلي للتنظيمات السياسية ومستغلة لعائدات الزمن ومحصنة من التأثيرات السلبية ومتشبعة ب”الروح النضالية “..
الأحزاب التي تقول إنها إلتقطت رسائل الشباب مؤخرا و”فتحت” نقاشا وحوارا وتواصلا معه ،حضوريا وعن بعد عبر منصات التواصل المختلفة، إنما تصدر عيوبها وتغطي عن دورها السياسي والأخلاقي في تأطير الشباب المنصوص عليه دستوريا منذ عقود من الزمن ،وهي تغفل حاجيات الشباب وتتأخر في تنفيذ برامج تنموية مهمة وتقصر في تقديم خدمات أساسية، ما أدى الى تفاقم الإحباط والتذمر الاجتماعي ،وما وضع كذلك الفئة المخاطبة في شك من السياسيين ومن العمل السياسي الذي لا ينتج شيئا جديدا يأتي بالنفع على المجتمع ككل وما يؤثر سلبا على الثقة العامة بالمؤسسات..
ومن الأحزاب في الأيام الأخيرة من اعتقدت أن مجرد الإلتقاء بشباب عبر وسائل إعلام رسمية والتظاهر بالإنصات لهم ب”تمعن” وب “عطف أبوي “وب “حنان وتأثر” يعفيها من مسؤوليتها التي ابتدأ عدادها، أخلاقيا، على الأقل خلال الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية والمهنية الأخيرة، كما أن المسؤولية لا يعفى منها الفاعل السياسي في جميع صفاته الحكومية والحزبية والجماعية وحتى السياسية والأخلاقية.. مع العلم أن لهذه الأحزاب تنظيمات كان من المفروض تشغيل آلياتها التنظيمية على أحسن وجه وبالطرق التي دأبت عليها حين كان العمل الحزبي له معنى وكان مجديا قبل أن يفرغ من محتواه وتصبح التنظيمات الداخلية مجرد فضاءات تلتئم موسميا وتجتمع للتصفيق على “الزعيم”..
أنا من الذين لم يفهموا أسئلة بعض الساسة حين طالبوا “الشباب “، عبر وسائل الإعلام، بالتعبير عن مطالبهم وهم في غاية الإنصات والاهتمام والانتباه وكأنهم يسمعون لأول مرة هذه المطالب “المفاجئة”، في الوقت الذي كل فئات المجتمع المتضررة تتحدث يوميا عنها عبر كل الوسائل وتحتج على ضعف أداء قطاعات اجتماعية ذات الأولوية ولا تجد الأذن الصاغية .
وقد صادف قبل شهر أن حضرت ثلاث تظاهرات شبابية في ألمانيا، كانت يرفع المشاركون فيها الشباب شعارات محددة تعبر عن وعيهم السياسي العميق وتجاوز مجتمعهم إشكالات لازالت للأسف حاضرة عندنا، الأول للدعوة الى انهاء الحرب في غزة والدعم العسكري الألماني لإسرائيل وفرض الاتحاد الاوروبي العقوبات على الدول الصهيونية، والثاني موجه ضد خطط الاتحاد المسيحي بشأن الهجرة وضد التنسيق مع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي العنصري، والثالث بضرورة اتخاذ إجراءات أكثر حزما بشأن ظاهرة تغير المناخ.. وهي المطالب التي لا يتسنى بعد لشبابنا الترافع من أجلها، لأننا بيننا وبينها مسافة الوحدة الفلكية …
ومن المفروض أن تكون البرامج السياسية ،سواء للأغلبية أو المعارضة، قد صيغت وحددت بعد الإستماع الى نبضات الشارع أو على الأقل الى قواعد ومناضلي الأحزاب التي هي جزء من المجتمع ومن الشارع المغربي، ولا ننتظر حتى تتخبط شوارعنا بالاحجاجات السلمية أحيانا والعنيفة أحيانا بغض النظر عن من “حركها”، وذلك قبل المشاركة في الانتخابات عبر برامج مضبوطة قابلة للتنفيذ، وحتى لا تكون البرامج مجرد أوراق بلا معنى تعمم على الناس على سبيل الاستئناس ولتبرير صرف الأموال المخصصة من قبل الدولة للانتخابات …
ما أثارني أيضا أن بعض قادة الأحزاب أصيبوا فجأة بازدواجية الشخصية ورفضوا الاعتراف بشخصيتهم الثانية المؤسساتية التي لا تثير إلا المشاكل، وهناك منهم من طالب بعدم الخلط بين مسؤولياته الحكومية وعالم الأموال الذي ينتمي إليه، بل أغرب من ذلك هناك من إدعى أنه فتح باب الحوار مع الشباب مؤخرا ولم يرغب أحد منهم في محاورته، رغم أن الفضاء العام يعج بالوقفات الاحتجاجية، إن اقتصرنا على تسميتها كذلك…
وقد عبر الملك محمد السادس منذ سنة 2017، بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لتوليه العرش، عن عدم رضاه عن أداء الأحزاب السياسية وعدم اقتناعه بالطريقة التي تمارس بها السياسة وانعدام الفاعلية في إدارة القضايا العامة، “.. ما يمثل تهديداً مباشراً لمصالح المواطنين واستقرار البلاد…”.
ويكفي أن نشير في هذا المقال أيضا الى ما جاء في الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش في يوليوز المنصرم، والذي أكد فيه جلالته، بالبنط العريض، أنه “ينبغي أن تقوم البرامج على توحيد جهود مختلف الفاعلين حول أولويات واضحة ومشاريع ذات تأثير ملموس، تهم على وجه الخصوص:– أولًا: دعم التشغيل عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية، وتوفير مناخ ملائم للمبادرة والاستثمار المحلي؛ وثانيًا: تقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، خاصة في مجالي التربية والتعليم والرعاية الصحية، بما يصون كرامة المواطن ويكرس العدالة المجالية ..”.
صاحب الجلالة تحدث عن ما نعيشه الآن بالتدقيق وأعطى توجيهاته بهذا الخصوص قبل أزيد من شهرين على الأقل ولا من حرك ساكنا من الأحزاب قبل أن “ينتفض” الشباب في وجه الفاعل السياسي على كل المستويات…” “فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، (سورة الحشر)..