محمد كرم
مواطناتنا الحرائر، مواطنينا الأحرار،
تحية نضالية
و بعد، إن حزبنا العتيد ـ و الذي لم يتخذ من الذئب رمزا له عبثا ـ يؤكد اليوم حضوره من جديد للمساهمة في تنشيط الحياة السياسية المحلية و الوطنية و كله أمل في جعل الاستحقاق الانتخابي المقبل محطة لشحذ العزائم و تأكيد النوايا و تجديد التعبئة (“التعبئة” بمعناها اللغوي الأصلي).
صحيح أن الأمر هنا يتعلق بحملة سابقة لأوانها ـ مما يعتبر خرقا للقوانين الجاري بها العمل ـ إلا أن نوايانا السليمة كفيلة بأن تشفع لنا و تجعلنا نمضي قدما في الترويج لبرنامجنا السياسي بكل اطمئنان.
مواطناتنا الحرائر، مواطنينا الأحرار،
لا يمكن لحزبنا الكبير أن يكتفي بالوقوف موقف المتفرج على ما تشهده البلاد من أمراض و إكراهات و اختلالات و عجائب و غرائب. نحن لدينا من التجربة و الحكمة و المعرفة و الأفكار ـ و حتى الخيال ـ ما يؤهل أطرنا لتحويل مملكتنا من بلد أفريقي إلى بلد أوروبي أو أمريكي في ظرف ولاية واحدة فقط. و لتحقيق هذا الهدف نحن في أمس الحاجة إلى تفويضكم. لا تبخلوا علينا بأصواتكم و لن نبخل عليكم بأذن واحدة على الأقل.
مواطناتنا الحرائر، مواطنينا الأحرار،
رغبة منا في مسايرة مستجدات العصر التكنولوجية سنتقدم هذه المرة بمرشحين لن تمنحهم قيادة حزبنا تزكيتها إلا بعد الخضوع للفحص بواسطة آلة حديثة وصلت للتو من وادي السيليكون و هي قادرة على رصد نواياهم و تحديد مستوى الحكامة و الأخلاق لديهم. بهذه الطريقة سنضمن خدمتكم بالكفاءة المطلوبة و بالمروءة المنشودة و “بلا ريال بلا جوج”. أما رؤيتنا الجديدة للتشريع و لتدبير الشأن العام ، و التي سنعمل جاهدين على ترجمتها على أرض الواقع فور تسلمنا لمفاتيح الجماعات الترابية و القطاعات الحكومية، فما كان لها أن تتبلور لو لم نستعن بتطبيق الذكاء الاصطناعي المذهل الأمر الذي زاد من دقة هندستنا و درجة صواب اختياراتنا و نسبة نجاعة حلولنا. و هكذا، سنحول البلاد بمشيئتنا نحن لا بمشيئة الظروف إلى ورش هائل يعج بالحركة و الحياة و يثير حسد الجيران و رواد الإنترنت بالقارات الخمس. و حتى إذا لم نفلح في ضمان مكان لنا ضمن الكبار سنستمر على الأقل في منافسة كبار الصغار.
فعلى المستوى السوسيو ـ اقتصادي سنمتص البطالة المستشرية بفتح باب التطوع أولا (و خاصة في حفر الأنفاق التي ستمر عبرها قطارات المستقبل الفائقة السرعة). و بمجرد توفر مناصب شغل مؤقتة لن نتردد في منحها للمستحقين من المتطوعين. و طبعا ما كنا لندرج ضمن برنامجنا السياسي حلا مثيرا للجدل كهذا لو ظلت نسبة الشباب بالبلاد في حدود معقولة، بل إن الانفجار الديموغرافي الذي عرفه المجتمع بعد الاستقلال قد يحتم علينا أيضا اللجوء إلى حلول أكثر قساوة من قبيل منع الحب الأعمى و الارتباط الفوضوي و الزواج العشوائي و الإنجاب الاعتباطي.
سنفلح بإذن الله في إقناع شاباتنا و شبابنا بأن قطران المغرب خير من عسل أمريكا و فراولة إسبانيا و زيتون إيطاليا و تفاح فرنسا و تمور الإمارات.
سنحاول أيضا خلق مناصب شغل “نظيفة” و قارة لمرتدي “الجيليات” الصفراء، و إذا تعذر ذلك سنضطر إلى تركهم و شأنهم لاعتبارات إنسانية صرفة. فالقيم التي يؤمن بها حزبنا لن تجيز لنا أبدا الدخول في حرب مع المسحوقين و أصحاب السوابق من أفراد شعبنا. أداء درهمين أو حتى عشرة دراهم عند كل وقفة لن يفقركم و لن يغنيهم.
و بخصوص القدرة الشرائية للمواطنين، و التي تضررت كثيرا خلال السنوات الأخيرة بفعل عوامل شتى، سنجتهد بحول الله و بتنسيق مع البنك الدولي حتى يتسنى لنا الإبقاء على الأجور و الرواتب الحالية مع العودة إلى أسعار 1929.
أما عمال مقاهي الشيشة، الذين نظموا وقفة احتجاجية قبل أسابيع بمدينة مراكش للمطالبة بوقف تعسف السلطة في حقهم، فأعدهم من هذا المنبر بأن رفع التناقض قريب إن شاء الله إذ لن تختلف ظروف اشتغالهم مستقبلا عن ظروف اشتغال مزارعي القنب الهندي. سيصبح بمقدورهم هم كذلك مزاولة مهامهم بلا خوف و بكل طمأنينة و بدون متابعة.
و في إطار مقاربة تشاركية سنفتح أيضا قنوات الحوار مع المهاجرين غير الشرعيين حتى يكفوا عن إزعاجكم و السطو على رغيفكم.
المقاربة نفسها سنتبناها مع ممثلي الكلاب الضالة و ذلك بغرض رفع سوء الفهم بينكم و بين هذه الحيوانات التي لا تستحق لا التسميم و لا الحشر مع الكفار في جهنم.
و بما أن هناك احتمالا بإقدام السلطات على هدم البنايات السكنية المنجزة اليوم بعد 50 أو 60 سنة من الشروع في استغلالها لسبب أو لآخر فنحن نفضل الكف عن تسليم رخص البناء بالمجال الحضري و سنشجع في المقابل على الإقامة بالفنادق أو اقتناء الخيام أو البيوت المجرورة بتسهيلات بنكية غبر مسبوقة.
و في مجال الخدمات الصحية نعدكم بأننا سنبذل قصارى الجهود لإقناع أطباء وزارة الصحة بضرورة “السليت” من المصحات الخاصة لمدة ساعة أو أكثر بقليل في اليوم حتى يتمكن المحظوظون من مرضى المستشفيات العمومية من التملي بطلعتهم و الاستفادة من خبرتهم المهنية و علمهم المكتسب بالجامعات و المؤتمرات الدولية.
و سنزيد من عدد خرجات طائرات الهليكوبتر المخصصة لنقل المرضى بالمناطق النائية إذ سينتقل عددها من خرجة واحدة في السنة إلى خمس خرجات في السنة، أي بزيادة قدرها 500%.
و بحكم الطفرة الهائلة التي تشهدها الرياضة الوطنية، و رغبة منا في تكريس المنحى التصاعدي لإنجازات الأسود و الأشبال و اللبؤات في أكثر من رياضة، سنواصل تحريك الرافعات و الجرافات و المعاول بهدف تشييد المزيد من المنشآت الرياضية العملاقة التي مازال عددها محدودا مقارنة بما تم إنجازه بالصين والهند و روسيا و البرازيل.
الأكثر من ذلك ـ و هذا إنجاز سيحسب لنا أيضا و ستحاول حتما أمم أخرى السير على نهجنا بشأنه ـ سنؤسس معهدا عاليا لتكوين المحللين الكرويين لغاية تقليص نسبة الأمية الكروية و تحقيق فهم أفضل لمجريات المباريات و كواليسها في صفوف عامة المشاهدين و المهتمين.
و على المستوى الرياضي دائما سنعهد للجنة خاصة بمهمة تطوير تقنية الحكم المساعد (الفار) لضمان إجراء المباريات بأعلى قدر ممكن من الانسيابية. فالتوقفات المتكررة و الكثيرة تفسد على المشاهد متعة المتابعة، و هذا أمر غير معقول و نرفضه جملة و تفصيلا.
و نظرا للإكراهات العقارية و التقنية و التمويلية التي تعرقل الجهود الرامية إلى إحداث مراحيض عمومية بشوارع مدننا سنخصص جائزة سنوية رمزية لكل مواطن لا يمانع في فتح مرحاض بيته للمارة و عابري السبيل من مرضى و زوار و سياح أجانب و غيرهم.
أما على المستوى التربوي فسنبذل كل ما في وسعنا حتى تصل نسبة النجاح في البكالوريا إلى 100% على غرار النسبة المسجلة بالسلك الابتدائي بمعظم المؤسسات التعليمية الخاصة. بهذا الإنجاز سنثبت للعالم بأن منظومتنا التربوية “واعرة نيت”.
و نحن أيضا عازمون على تطوير صناعة ألعاب الفيديو ـ التي لم تعد أهميتها تخفى على أحد ـ إضافة إلى تهيئة مراقص بمعايير دولية بمدارسنا حتى تمر حصص “الهيب هوب” في أحسن الظروف في انتظار إدماج الراب و الموسيقى الإلكترونية و الهارد روك كذلك في البرامج التربوية و ذلك حتى تكتمل شروط التميز الدراسي.
من جهة أخرى سنضغط بعون الله من أجل وقف نشر الأخبار المتصلة بحجز المخدرات داخل حدودنا … أو سنعمل على الأقل على حمل المحررين الصحفيين على الالتجاء إلى التزوير بشأن الكميات المحجوزة مع التوقف نهائيا عن اعتماد الطن كوحدة للقياس و استبداله بالكيلوغرام الأقل وقعا على آذان المتلقين أو عيونهم.
و هناك حلم قديم ما زال يراودنا و نرجو تحقيقه في يوم من الأيام، إذ سنتقدم باقتراح يروم إعداد مدونة أسرة جديدة من شأنها وضع حد نهائي للنزاعات العائلية و للحزازات التي تخلقها مجموعة لا يستهان بها من العمات و الخالات “المسمومات”.
و بخصوص الساعة الإضافية، فيبدو جليا أن معظم المغاربة يتعايشون معها بشكل عاد على امتداد شهور السنة المشمسة. أما خلال فترات الصباح المظلمة من شهور السنة الباردة فأنا شخصيا لا أنزعج منها إطلاقا بما أنني لا أقوى على مغادرة فراشي قبل العاشرة صباحا. و عليه، لا أستطيع أن أعدكم بالتدخل في موضوع إلغائها.
و على مستوى علاقاتنا الخارجية ستظل القضية الفلسطينية في صلب اهتماماتنا، و لهذا السبب سنعمل على مضاعفة عدد الأطفال الفلسطينيين الراغبين في قضاء العطلة الصيفية بين ظهرانينا.
و طبعا لم يعد من الضروري أن نعدكم قبل كل استحقاق انتخابي بأننا سنحقق لكم الكرامة و العزة و السؤدد و بأننا سنزيد في قطر قنوات الواد الحار و بأننا سنعمل على ردم الحفر التي تخلفها الأمطار. هذه وعود كلاسيكية أكل عليها الدهر و شرب.
أما سياسة الماكياج التي انتهجناها دائما و تنتهجها أيضا معظم دول العالم فسنستمر في تبنيها دون أدنى شعور بالذنب، ذلك أنه لا مقارنة بين هيئة المتسول النظيف و المالك ل “آيفون” و هيئة المتشرد النتن البائس. كلنا نريد لبلادنا أن تبدو في حلة جميلة.
و من هذا المنبر أيضا أقول لكل مولود مغربي جديد بأنه بمجرد مغادرته لرحم أمه سيجد في انتظاره هاتفا ذكيا مجانيا و تعبئة مجانية صالحة مدى الحياة (التعبئة هنا بالمعنى الاتصالاتي) على أن تتولى الدولة تعويض خسائر شركات الاتصالات مباشرة بعد الشروع في تصدير الغاز المكتشف … أو الذي سيكتشف، و هذا ابتكار لم يسبقنا إليه أي حزب منذ الانفجار الكبير.
ختاما، مواطناتنا الحرائر و مواطنينا الأحرار، إذا اتضح بأن الظروف كانت أقوى من إرادتنا و فشلنا في الوفاء بوعودنا بحلول نهاية الولاية المقبلة فسنضطر إلى الاعتذار منكم على أمل إعداد جيل جديد من البرلمانيين و المستشارين الجماعيين و على أمل صياغة وعود جديدة أكثر ابتكارا و أكثر استجابة لحاجيات مغرب ما بعد 2030.
امنحوا أصواتكم للمستقبل. امنحوا أصواتكم للأمل، و اعلموا بأنه ليس من الضروري التصويت على لوننا أو رمزنا فقط. نحن لا ندعي بأن حزبنا هو الأفضل. كل الأحزاب قادرة على خدمة البلاد و العباد، و كل الدكاكين السياسية ستتقدم لا محالة بوعود مماثلة لوعودنا مع احتمال وجود اختلافات تهم المنهجية فقط . أما المضمون فسيظل في الغالب موحدا بالضبط كما أصبحت عليه خطب الجمعة المنبرية.
استدراك لابد منه : لقد نسيت أن أثير انتباهكم إلى أنه في حال قوبلت برامجنا و جهودنا بالعنف و التخريب سنضطر كما اضطر سابقونا إلى الاستقواء بقوات حفظ الأمن العمومية حتى تعود الحياة إلى مجراها الطبيعي دون تأخير و حتى يكون لصرف رواتب عناصرها ما يبرره، و لن نعمد إلى تقديم استقالتنا إلا إذا تبين بأن هذه القوات عاجزة تماما عن حمايتنا.