بينما كان المواطنون داخل المغرب وخارجه يعيشون لحظات من القلق والتوجس، بسبب ما تشهده بلادنا خلال هذه الأيام من أحداث مؤلمة، بعد أن تحولت تلك الاحتجاجات التي اختير لها أن تكون سلمية،وحدد لها مدة يومين السبت والأحد 27/28 شتنبر 2025من قبل حركة شبابية ناشطة في عالم الرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي، تطلق على نفسها اسم “جيل Z”، إلى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، وما ترتب عن ذلك من انحراف وتصعيد خطيرين، من حيث حدوثخسائر فادحة بلغت حد وفاة ثلاثة أشخاص، والاعتداء على ممتلكات عامة وخاصة، وإصابات متفاوتة الخطورة في الجانبين…
فإذا بالمغاربة يستفيقون صباح يوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 على خبر سار، نزل على قلوبهم مثل رحمة ربانية أعادت إليهم شيئا من السكينة والطمأنينة، وهو الخبر المنشور في عدة مواقع إلكترونية، والذي تعلن من خلاله حركة “جيل زد 212” أو “Gen Z 212” عبر بلاغ رسمي عن إلغاء جميع الوقفات الاحتجاجية ابتداء من يوم الخميس فاتح أكتوبر 2025، التي كانت مقررة في مختلف المدن المغربية، وأوضحت بأن القرار جاء عقب إخراج التحركات عن طابعها السلمي في عدة مدن، التي شهدت الكثير من أعمال العنف. وذلك في انتظار بلاغ لاحق يوضح تفاصيل استئناف الأنشطة الاحتجاجية مستقبلا، مشددة على أن الهدف الأساسي يظل منحصرا في الدفاع عن المطالب الاجتماعية بطريقة سلمية، رافضة أن تتحول الوقفات الاحتجاجية إلى أفعال إجرامية تمس بالأمن والممتلكات العامة والخاصة…
وهو القرار الذي خلف ارتياحا كبيرا في أوساط المواطنات والمواطنين، ولاسيما أنه يكشف عن روح المواطنة الصادقة لدى قادة الحركة الاحتجاجية السلمية ويعكس مدى وعيهم بخطورة التصعيد الخطير، الذي من شأنه التهديد المباشر للاستقرار والزج بالبلاد في غياهب دوامة من العنف غير المحسوب العواقب، يصعب الخروج منها بسلام. حيث يمكن لهذا التراجع المؤقت أن يمنحهم قليلا من الوقت لالتقاط أنفاسهم وإعادة ترتيب مطالبهم بشكل موضوعي وقابل للتنفيذ، وفي ذات الوقت تفويت الفرصة على المغرضين والمخربين الذين يسعون إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المغرب، مما يضمن إسماع صوت الشباب لأصحاب القرار بطريقة حضارية، وبعيدا عن مظاهر الفوضى والعبث بحقوق الآخرين.
إذ بالرغم مما كسبته حركة “جيل Z” من مباركة وتضامن واسعين في بداية الأمر، لاسيما أن مطالبها الاجتماعية مشروعة، وتعكس ذات المطالب التي ما انفك يرفعها جميع المغاربةفي عديد المناسبات،التي تشمل الكرامة والعدالة الاجتماعية وتجويد الخدمات الاجتماعية في التعليم والصحة وتوفير مناصب شغل مناسبة للعاطلين ومكافحة الفساد بكافة أشكاله،فإن ما شهدته بعض المناطق من أحداث شغب وتصعيد منذ اليوم الثاني لانطلاق الحراك الشعبي،كاد أن يعصف بالبلاد في دائرة المجهول…
حيث أن عدة مدن مغربية شهدت انزلاقات خطيرة، وتحولت فيها الاحتجاجات السلمية إلى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن بفعل حدوث استفزازات من هنا وهناك، وهو ما استغله بعض المندسين والمجرمين من ذوي السوابق العدلية في تنفيذ أعمالهم التخريبية. إذ أن الاعتداءات استهدفت الممتلكات العامة والخاصة، وشملت السطو على عدد من المحلات التجارية وإضرام النيران في السيارات بما فيها سيارات الشرطة والدرك الملكي، ولم تسلم من ذلك حتى صناديق القمامة والعجلات المطاطية، فضلا عن تعرض عدد من عناصر القوات العمومية والمواطنين غير المشاركين في التظاهرات إلى الرشق بالحجارة ونشل هواتفهم المحمولة وأغراضهم الشخصية في بعض الأحياء والشوارع، دون أن تفلح السلطات الأمنية في تفريق عديد المجموعات المتكتلة.
وبصرف النظر عن هوية قادة حركة “جيل Z” الذين يعتبرون حركتهم غير تابعة لأي جهة أو توجه سياسي، ويفضلون تركيز جهودهم فقط على مطالبهم العادلة والمتمثلة أساسا في تحسين الخدمات في التعليم والصحة ومحاربة الفساد وخلق فرص شغل للعاطلين، فإن ما يحسب لهم أنهم نجحوا في إعادة تسليط الضوء على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ودعوة مدبري الشأن العام إلى القيام بإصلاحات جوهرية. واستطاعوا بما لهم من ذكاء وحس وطنيسحب البساط من تحت أقدام المغرضين، الذين كانوا يسعون بإيعاز من جهات خارجية حاقدة ومعادية إلى قيادة الوطن للانهيار وعدم الاستقرار. وإنزال رئيس الحكومة من برجه العاجي، بعد أن ظل يتفرج من بعيد على مسلسل الأحداث المفجعة، حيث لم يعلن عن استعداد حكومته للحوار والتفاعل مع مطالبهمإلا في يوم الخميس 2 أكتوبر 2025، مؤكدا أن ليس هناك ما هو أفضل من المقاربة المبنية على الحوار والنقاش من داخل المؤسسات والفضاءات العامة، في معالجة مختلف الإشكالات التي تواجهها البلاد…
إننا إذ نشكر “جيل Z” على تغليب مصلحة الوطن، باتخاذهم قرارا صائبا وجريئا يقضي بتعليق الاحتجاجات إلى وقت لاحق قصد إعادة ترتيب الأمور، ندعوهم بعد أن وصلت رسالتهم إلى الالتزام بمزيد من الحيطة والحذر، وعدم إتاحة الفرصة للمتربصين بالوطن، والأيادي الخفية التي تريد وبشتى الوسائل إلى إخراج الاحتجاجات عن طابعها الحضاري والسلمي، والحرص على عزل الانفصاليين والمغرر بهم، الذين يقومون بأعمال إجرامية تهدد أمن وسلامة، مستعينين في ذلكبالأسلحة البيضاء والعصي والحجارة وقنينات الغاز…
اسماعيل الحلوتي