عبد السلام المساوي
لا بد في البداية من التأكيد أن الحكومة مسؤولة أمام المواطنين .
ومن حق المواطنين على الحكومة توفير الحماية لهم في كل المجالات .
من حق المواطنين أن توفر لهم الأمن والأمان ، والحماية من كل الأخطار بما فيها أخطار الغش والمضاربات والاستغلال ، وكل ما يمكن أن يؤثر على حياتهم وكرامتهم وقوتهم اليومي .
وهنا تأتي مسؤولية السلطات في مراقبة الأسواق وزجر كل أعمال المضاربة والتلاعب بالأسعار وغيرها.
إن التفاعل الواسع والسريع مع الحجرة الصغيرة ( مول الحوت ) ، التي ألقيت في المياه الآسنة للمضاربات بالأسواق وتجار الأزمات وغلاء الأسعار ، تبرز إلى أي حد يتعطش المواطن البسيط لتخفيض الأثمان الخاصة بالمواد الغذائية الأساسية والأسماك واللحوم الحمراء والدجاج ، حيث أصبحت الأسر الفقيرة والتي تعيش الهشاشة الأمرين مع ترقيع الميزانية الضعيفة من الأصل .
لقد ظهر فشل منطق الحملات في مراقبة الأسعار ، وحربائية اللوبيات المستفيدة التي تنحني للعاصفة حتى مرورها وتبعث من جديد ، ما يطرح الحاجة المستعجلة إلى تدخل كافة القطاعات الحكومية المعنية ، لتدابير عملية مستمرة من أجل ردع المضاربين ، والعمل على تقوية الإنتاج الوطني ودعم تعافيه ، والعودة إلى التوازن بين الإنتاج والاستهلاك .
من أخطر ما يواجه المواطن البسيط هو لهث لوبيات خلف الربح السريع على حساب أزمة الغلاء والسلم الاجتماعي ، وسوء توزيع الثروة السمكية ، واستنزاف الفرشة المائية في زراعات استوائية تتطلب كميات خيالية من المياه لسقيها ، واعتراض الدعم العمومي الذي ينتهي بالأرصدة البنكية للقراصنة ، في ظل تقديم أرقام مطمئنة غير صحيحة ، ولا تعكس الواقع بالأسواق وأسعارها التي تلهب جيب المستهلك .
تجب مراجعة التصدير وفق تدابير ذكية واستراتيجية حديثة ومتوازنة ، تعتمد على مستجدات السوق والتحولات الاقتصادية العالمية ، وذلك لتخفيف المؤشرات السلبية لاختلالات العرض والطلب ، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية التصدير في جلب العملة الصعبة ، لكن دون أن يكون ذلك على حساب المصالح العليا للمملكة التي تبقى فوق كل اعتبار .
الكل ينتظر تنزيل الوعود المتكررة لخفض الأسعار ، وإعادة النظر والمحاسبة في ملايير الدعم المقدم من المال العام لتشجيع الإنتاج الوطني ، وردع الجشع الذي يتعلق بالتحكم في الأسواق بطرق ملتوية ، ورفع الأسعار وخفضها خارج تحكم لجان المراقبة الرسمية ، أما الحلقات الأضعف في كل عملية إصلاح فمن السهل التحكم في تلاعباتها ، الناتجة أصلا عن تحكم الحيتان الكبيرة التي لا تظهر إلى العلن وتربط علاقات معقدة ، باستعمال سحر المال الذي لا يقاوم .
نحن في حاجة إلى تفعيل المحاسبة في فوضى المضاربات والاحتكار وارتباط الملف بلوبيات انتخابية والفساد بشكل عام ، وذلك دون حسابات فارغة لمسؤولين وعلاقاتهم الشخصية واستفادتهم من الكعكة بطرق غير مباشرة ، ودون اعتبار لمصالح انتخابوية لحظية ، لأن السلم الاجتماعي وضمان قوت الفئات الفقيرة والهشة فوق كل اعتبار .
يجب الاعتراف بفشل اللجان الإقليمية المكلفة بالمراقبة في ردع المضاربين وخفض الأسعار ، مع ضرورة إعادة النظر في طريقة العمل التي تتعلق أحيانا بإجراءات تجاوزها الزمن ونشر الصور الإشهارية ، في حين يترك المستهلك وجها لوجه أمام لوبيات الاحتكار وتجار الأزمات ، والشبكات التي بسطت نفوذها على الأسواق وأصبحت تتحكم بشكل خفي في ميزان العرض والطلب .
كل ما حدث من تسارع الأحداث في ملف ” مول الحوت ” ، يطرح استمرار اليقظة التامة ، والأخذ بعين الاعتبار تبعات الغلاء على السلم الاجتماعي ، والمحيط الإقليمي وخطر ركوب الملفات الاجتماعية الحارقة من خلال استعمال الحروب الإلكترونية ، وهذا لا يعني فراغا تعيشه مؤسسات الرقابة ، بقدر ما يشكل ناقوس خطر يجب التعامل معه وفق حجم الملف ودرجة حساسيته بدون مزايدات وبدون تقليل أيضا من شأن المؤشرات المقلقة .
لم يعد المضاربون يهددون أسعار السوق بمفهومها التجاري العادي ، بل انتقلوا إلى تهديد الفضاء الاجتماعي العام ، وإحداث ” الشوشرة ” والشك في نفوس المواطنين ، ما يقتضي مواجهتهم بشتى الطرق وبصرامة القانون .